إنتفاضة شعبان 1411 هـ - آذار1991مضاقت الناس ذرعا من أساليب اللانظام الطاغوتي المجرم الذي كان يحكم العراق بالحديد والنار منذ ثلاث وعشرين سنة
(1) وازداد الأمر سوءً بعد مغامرة الطاغية المخلوع بدخول دولة الكويت غازياً في 2/8/1990م، ومهاجمة دول التحالف الغربي بقيادة أميركا لجيشه هناك بدءً من ليلة 17/1/1991م مما أدى الى تفككه وانكساره وعودته من الكويت مشياً على الاقدام - لعدم وجود وسائط نقل كافية واستهدافها بالقصف الجوي الشديد الذي طال حتى مجاميع الجنود العزل خلال انسحابهم
(2) الأمر الذي خلق في نفوس أغلبهم من الذين دخلوا هذه المعركة غير المتكافئة، سخطا شديداً على نظام الطاغية الذي جر البلاد إلى مغامرة جديدة أودت هذه المرة بقوتها العسكرية، وبما تبقى من اقتصادها الغني نظرياً، وغير المستثمر بشكل صحيح واقعاً، والمتهالك أصلاً بسبب حروبه السابقة وسوء إدارته للبلاد، ووضعت تلك المعركة الجيش في أسوأ حال.
وقد تبعت هذه الحربَ تداعياتٌ كثيرة بسبب استهداف قوى التحالف - المعتدية - للبنى التحتية العراقية من مصانع ومنشآت مدنية ومحطات للوقود والكهرباء ومنشآت السدود ومراكز المياه وكل ما يتعلق بقوت الناس مما أصاب حياتهم بالشلل، الأمر الذي جعل الناس البسطاء غير قادرين على توفير قوت يومهم فضلا عن القتل والتدمير الذي ألحقته الطائرات والصواريخ الأمريكية وحلفاؤها بالمدنيين وانعدام أو ندرة الخدمات كالماء والكهرباء والخدمات العامة.
كل ذلك وما يعضده من بطش اللانظام قبل وبعدالحرب وخلالها كان دافعا قويا ألهب حماسة الشعب والكثير من جنود الجيش الوطنيين ومن المغلوبين على أمرهم والفارين من أتون الحرب غير المتكافئة، للقيام بالثورة في أغلب محافظات العراق الثمانية عشر - حيث لم تثر اثنتان منها فيما ثارت بعض المدن في الاثنتين الأخريين- فتم تحرير(14) من المحافظات التي ثارت كل مدنها وقراها ومنها كربلاء المقدسة التي كانت لها حصة الأسد في هذه الثورة الشعبية التي انطلقت فيها شرارتها في يوم الثلاثاء الخامس من آذار 1991م.
وبقيت المدينة المقدسة تقاوم أزلام اللانظام وما تَبَقى من أفراد جيشه المنهار من المؤيدين له - بعد فرار الآخرين وانضمام بعضهم للشعب - والذي أخذ يلملم شتاته من هنا وهناك لمهاجمة المدينة المقدسة وخاصة من فرق الحرس الجمهوري. وعلى مدى (14) يوماً وبشتى أنواع الأسلحة، حيث قدم فيها الأهالي كل غالٍ ونفيس من خلال مقاومة بطولية شرسة تحطمت على صخرتها كل محاولات الجيش الصدامي بالنفاذ والدخول الى المدينة المُقاوِمَة، مما اضطر اللانظام أخيرا الى قصفها من الجو والبر قصفاً عنيفاً لم تشهد مثله صفحات تأريخ الطغاة ضد شعوبهم، بعد ان سمحت أميركا للنظام الصدامي المقبور باستخدام الطائرات العمودية في قتاله للشعب رغم حضر طيران اللانظام من قبل أميركا أصلاً على أثر إخراجه من الكويت!!! وقد عزا المحللون هذا الدعم الأميركي للنظام - رغم محاربتها إياه - إلى خوفها من نجاح الثورة الشعبية العراقية في هذه الانتفاضة المباركة، التي كانت من الممكن أن تتمخض عن تشكيل حكومة لا توالي الغرب في العراق كبديل غير مرغوب فيه عن صدام، لأنه هو الذي حقق لأميركا والغرب ما لم يحققه أي حاكم عميل من تخريب وتدمير للبلاد أرضاً وشعبا وبالتالي زوال خطر - ولو إلى حين- صيرورته بلداً متقدما بما يشكله من إمكانات مادية وبشرية تؤهله لذلك فيما لو حكمه المخلصون من أبنائه، فيشكل حينها خطراً على أمن الكيان الصهيوني الحليف الستراتيجي لأمريكا، فضلاً عن إضرار مصالحها الأخرى في المنطقة.
وهذا ما دعا أمريكا وقوى الغرب لدعم حكم الطاغية ريثما تحين ظروف أكثر ملاءَمَةً لها لتكون هي صاحبة القرار والمبادرة لإسقاطه
(3)
(1) - اٌطيح بهذا اللانظام في 9/4/2003م بحرب احتلال العراق من قبل أميركا وحلفائها بعد وصوله إلى سدة الحكم بتأريخ 17/7/ 1968م في انقلاب ساعدت في نجاحه الولايات المتحدة نفسها - كما اعترف بذلك فيما بعد أحد الانقلابيين-، حيث أزاح الانقلابيون رفاقهم السابقين في حزب البعث (المنحل بعد 9/4/2003م) والقوميين بعد أن أزاحوهم في 17/11/ 1963م بعد وصول أولئك البعثيين والقوميين إلى الحكم في انقلاب دموي في8/2/1963م على أول حكم جمهوري للعراق جاء في14/7/1958م إثر انقلاب دموي أيضاً أطاح بآخر ملوك الحكم الملكي الثلاثة والذي توج أولهم في 23/8/1921م بدعم بريطاني عقب تشكيل الحكومة المؤقتة أواخر عام 1920م من قبل الاحتلال البريطاني والتي شـُكلت إثر ضغوط ثورة العشرين الكبرى ضد الاحتلال بقيادة مراجع الدين العظام والمطالـِبة بالاستقلال وبتشكيل حكومة عراقية.
(2) - أخرجت أميركا وحلفائها جيش الطاغية صدام من عاصمة الكويت في 26/2/1991م بعد حرب دامت 43 يوماً انتهت رسميا في 28/2/1991م ألقي فيها على العراق من القنابل والصواريخ ما يعادل مجموع (5) قنابل ذرية مماثلة لتلك التي اُلقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، كما تناقلته الكثير من وسائل الإعلام آنذاك، وانسحب آخر جندي عراقي من دولة الكويت في 2/3/1991م بعد سبعة أشهر من احتلالها وبعد آخر معركة حصلت في جزيرة فيلكة بعد الوقف الرسمي لإطلاق النار لأن الجنود العراقيين في الجزيرة استمروا في القتال ولم يعلموا بالانسحاب وبانتهاء الحرب بسبب انقطاع الاتصالات مع قيادتهم، وهو ما يكشف عمق النفق المظلم الذي أدخل الطاغية فيه جيشه وشعبه.
(3) - وهو ما فعلته الولايات المتحدة بتأريخ 9/4/2003م بعد بدء غزوها للعراق في 20/3/2003م في حرب بدأت بسبب عدم التزام حكومة الطاغية بقرارات المجتمع الدولي التي صدرت بعد إخراج قواته الغازية من الكويت والخاصة بإزالة اسلحة الدمار الشامل التي ادعت الإدارة الأمريكية بأنها ما زالت تـُنتج من قبله، ولم تكد حرب الثلاثة أسابيع لتنتهي بعد، حتى تبدلت تلك الدعوى - وقبل التأكد من صحتها- إلى: خطورة بقاء ذلك اللانظام على المجتمع الدولي ومن ثم ضرورة إسقاطه، وهذا ما حصل بالفعل، رغم أن نفس هذا اللانظام كان خطراً بالفعل منذ نشأته وقد دعمته تلك الإدارة في الانتفاضة الشعبانية 1411هـ الموافق آذار1991م عندما آل إلى السقوط بإرادة الشعب العراقي، وهي من ساعدته في امتلاك أسباب إنتاج اسلحة الدمار الشامل!! وقدمت له الدعم اللوجستي وغيره في حرب الخليج الأولى وحتى في وصوله للسلطة!!!.
ولتفوّت على العراقيين مرة أخرى فرصة زوال الطاغية بإرادتهم، وهم قادرين على ذلك بعون الله، بدليل ما حصل في هذه الانتفاضة من انتصارات ساحقة أدّت إلى سيطرة ثوار الشعب والأحرار من أفراد الجيش المنضم إليه، وإبقاء بلدهم مستقلا دون غزو وإملاءات خارجية وتداعيات ما زالت مستمرة لحد الآن.
إرسال تعليق