اخر الاخبار

السبت، 23 أغسطس 2014

العتبة العباسية ومراحل العدوان عليها

القتل وإرعاب الزائرين فيها والتخريب والاعتداء على منشآتها ورموز قداستها، سمات لازمت عتبات كربلاء المقدسة مذ وجدت لبناتها الأولى بعد انطواء الصفحة العسكرية من ملحمة الطف الخالدة في العاشر من محرم عام 61هـ، حتى عندما كانت تلك المراقد الطاهرة، مجرد شواهد بسيطة كتلك التي توضع للقبورالعادية.
والمتتبع لسلسلة الحوادث الكثيرة تلك، والتي مازالت مستمرة حتى هذا اليوم مع اختلاف في الأساليب، يؤشر إلى خوف الطغاة ومتـّبعي سُبُل الضلال، من هذه الرموز العظيمة التي طهرت هذه البلاد وأنارت طريق الأحرار فيه وفي غيره من بلاد المعمورة، والتي يبدوأنها تـُذّكِر من يعتدي عليها بخواء نهجه وبقرب زوال ظلمه، خاصة إن كان من الحكام، فيحاولون لأجل ذلك طمس معالمها وحجب شمس حقيقتها بغربال باطلهم، كما أنها في كل عصر - ولكونها الشاهد الحاضر- وقبل كل ذلك تحرض المظلومين على الثورة ضد الطغاة رغم قلة الناصر وضعف العدة وتبشرهم بالنصر ولو بعد حين.
كما أن شواهد التأريخ تؤكد هَوانَ الذين كانوا يظنون انهم بأعمال اعتدائهم هذه سيتمكنون من أن يطفئوا نور الله ليتمكنوا من تثبيت ملكهم وسلطانهم، فبئس ما فعلوا وكان الخزي والخسران نصيبهم الأوفر، وذلك تأييداً لما أكدته السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) لمولانا الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) حيث قالت: «ينصبون علماً لقبر أبيك الحسين لا يدرس اثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والايام وليجتهدن ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد اثره إلا ظهوراً وامره إلا علواً»(1)وكلامها له (عليهما السلام) أيضاً حيث قالت «لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون من أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة وهذه الجسوم المضرجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام» إلى أن تقول «ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفار، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين إلى الفوز»(2)وقد يضيق المقام بذكر كل تلك الحوادث لو استطعنا إحصاءها منذ بدئها، لكننا سنحاول جاهدين ذكر ما أحصيناه منها (فما لا يدرك كله لا يترك جله) وسنقسم الحوادث وفق القرون الهجرية.
ولعل الفترة التي مضت على القبر المطهر من بعد ملحمة الطف إلى أواخر الدولة الأموية، كانت أهدأ دور مضى على الحائر لأنهم اكتفوا - حسب الظاهر – بما اقترفوه من جرائم وآثام لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، جرت كلها بحق الإمام الحسين واهل بيته واصحابه (عليهم السلام) في تلك الواقعة وما تلاها من عذابات السبي، مما حدا بعبد الملك بن مروان أن يكتب إلى عامله الحجاج بن يوسف الثقفي بقوله له:
جنبني دماء آل أبي طالب فإني رايت الموت استوحش من آل حرب حين سفكوا دماءهم، فكان الحجاج ممتثلاً لذلك الأمر، خوفاً من زوال ملكهم الطاغي لا خوفاً من الله!!!، متجنبين دماء آل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، ولهذا السبب أو لغيره لم تتعرض مراقد كربلاء المقدسة من الأمويين كما تعرض لها العباسيون بعد ذلك(3)، عدا أن أولئك أقاموا المخافر والمسالح المدججة بالعتاد والسلاح والرجال على أطراف كربلاء لمطاردة الزوار ومعاقبتهم بأقسى العقوبات من القتل والصلب والتمثيل بهم، وأكمل ذلك الدولة العباسية على إثر انقراض دولة الأمويين، فسن العباسيون أسوأ السنن بالتعرض للحائر المقدس، وهدمه وما حوله.

الهوامش
------------- 
(1) مقطع من حديث طويل في كامل الزيارات: لابن قولويه ص 260- 266.
(2) المصدر السابق.
(3) بتصرف من: تأريخ كربلاء وحائر الحسين عليه السلام/ الدكتور عبد الجواد الكليدار: ص192-193.

القرن الثاني 

صب المنصور العباسي جام غضبه على العلويين وآثارهم وتطاول على القبر المطهر فهدم السقيفة التي بنيت عام 65هـ على قبر الإمام الحسين عليه السلام وذلك في عام 146 هـ (1).
 سنة 193هـ أمر الحاكم العباسي هارون الرشيد بهدم كربلاء كلها، بضمنها البناء القائم على ضريح الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) وحرث أرض القبر الشريف للإمام (عليه السلام) وهدم الدور المحيطة به وقطع السدرة المطلة على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وكان يروم بقطعها منع الزائرين لئلا يستظلوا تحتها أو ليهتدوا بها إلى القبر الشريف كمحاولة من محاولات الطغاة الكثيرة لإخفائه ومنع الناس من زيارته على مر العصور، كل ذلك لكي لا يستلهموا منه قيم الإباء والثورة ضد الظالمين مهما كبروا، وهو منهم طبعاً.
وفعل هارون كل ذلك عبر واليه على الكوفة موسى بن عيسى بن موسى الهاشمي (2).
الهوامش
-------------
(1) ومضات من تاريخ كربلاء/ سلمان بن هادي آل طعمة: 18.
(5) بتصرف عن: تراث كربلاء/ سلمان بن هادي آل طعمة: 34.

القرن الثالث الهجري
 لما كانت سنة 232ه‍ تولى الحكمَ المتوكلُ العباسي وكان شديد البغض للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولذلك عمد إلى هدم قبر الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أربع مرات:
أ) المرة الأولى: عام 233ه‍ وذلك إثر ذهاب إحدى جواريه المغنيات إلى زيارة شعبان في كربلاء، فأنفذ عمر بن فرج الرخجي لهدم ما عمره المأمون العباسي وأمر بتخريب قبر الحسين (عليه السلام) وحرثه، فلما صار إلى الناحية أمر بالقبر فمر بها على القبور كلها فلما بلغت قبر الحسين (عليه السلام) لم تمر عليه، ثم إن الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) رغم الاضطهاد والتنكيل عمدوا إلى تعمير مرقده الشريف وإنشاء البيوت من حوله.
ب) المرة الثانية: سنة 236ه‍ حيث عمد المتوكل أيضاً إلى هدم الضريح المطهّر وملحقاته وزرعه بعد تسوية أرضه، كما أمر بهدم ما حوله من المنازل والدور ثم منع زيارة المكان وغيره من البقاع الشيعية المقدسة وهدد الزوار بفرض عقوبات صارمة عليهم، فنادى بالناس: من وجدنا عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق، وإلى هذا يشير السماوي في أرجوزته فيقول:
ثم تناهى جعفر بالمخر           والحرث للارض ونـــــبث القبر
لمأتين وثلاثين وســـت           إذ فوض الأمر إلى علق وست
وإن الديزج حسب أمر المتوكل لم يكتفِ بهدم القبر وإنما ضرب ما حوله فهدم مدينة كربلاء كلها، وكربها وارسل الماء عليها، فلما وصل القبر لم يتقدم إليه احد خوفاً، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجروا الماء عليه، وأنه أوكل في أطرافها المسالح لمنع الزائرين من الزيارة بالعنوة وبعقاب القتل(2) وجعل المتوكل عقوبة على زائري الإمام الحسين (عليه السلام) وهي قطع يده للمرة الأولى، ورجله للمرة الثانية(3).
والتقى أبو علي العماري بإبراهيم الديزجٍ وسأله عن صورة الأمر، فقال له: أتيت في خاصة غلماني فقط، وأني نبشت فوجدت بارية جديدة عليها بدن الحسين بن علي، ووجدت منه رائحة المسك فتركت البارية على حالها وبدن الحسين على البارية، وأمرت بطرح التراب عليه وأطلقت عليه الماء، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم تطأه البقر، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان المغلظة لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه (4) ويصف السماوي الحادثة كلها ومنها يقول:
ثم حرثنا الأرض لكن البقر       تأتي إلى ذاك المــــــقام وتذر
وكلما تضرب للـــــــــكراب       تقهقرت تمـشي على الأعقاب
ثم مخرنا الـماء فوق القبر       فحار عنه واقفاً لا يجري (5)
ويبدو أن محبي أهل البيت (عليهم السلام)، لم يتركوا قبر إمامهم على حاله بل عمروه بما يتناسب على رغم تضييق السلطات عليهم.
ج) المرة الثالثة: عام 237ه‍ حين بلغ المتوكل أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) فيصير إلى قبره منهم خلق كثير فأنفذ قائداً من قواده واسمه هارون المعري وضم الوزير معه وغيرهم إضافة إلى إبراهيم الديزج لينفذ الهدم والحرث إضافة إلى الجند، ليشعِّث قبر الحسين (عليه السلام) ويمنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره، ففعلوا ما أمروا به (6) ويعلق أحد الباحثين (إن الطاغية لم يوفق في هذه المرة إلى مثل ما ارتكبته يداه في المرات السابقة وذلك لتأثير الرأي العام من جهة ومن جهة أخرى تجاه المقاومة الفعلية الشديدة التي لاقاها جنوده من قبل الأهلين)(7) ولم يزل زواره (عليه السلام) يقصدونه ويصلحون قبره الشريف عن الهدم المتكرر.
وفي سنة 240ه‍ توجه الأشناني وهو من محبي أهل البيت (عليهم السلام) إلى زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) سراً برفقة أحد العطّارين فلما وصلا القبر الشريف جعلا يتحريان جهة القبر حتى عثرا عليه وذلك لكثرة ما كان قد مخر وحرث حوله فشاهداه وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه واحرق، وأجري عليه الماء فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق حول القبر ولما أتما مراسيم الزيارة نصبا حول القبر علامات شاخصة في عدة مواضع من القبر(8) ويصف الأشناني الوضع الأمني آنذاك بقوله: (... فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا فجعلنا نشمه...الخ)(9).
د) المرة الرابعة: سنة 247ه‍ كان قد بلغ المتوكل مرة أخرى مسير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) وانه قد كثر جمعهم لذلك، وصار لهم سوق كبير فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره، ونبش وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة، وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة فقتل منهم جمعاً كثيراً (10) وإن هدم المتوكل لقبر الإمام الحسين (عليه السلام) في المرة الرابعة صادف في النصف من شعبان حيث كان الناس يتوافدون بكثرة على زيارة كربلاء في مثل هذا الوقت(11).
وقد تولى الهدم في هذه المرة إبراهيم الديزج أيضاً حيث يقول: إن المتوكل امرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر، فوافيت الناحية مساءً ومعنا الفعلة ومعهم المساحي والمرود، فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت فذهب بي النوم، فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية، وجعل الغلمان ينبهوني، فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان: ما شأنكم؟ قالوا: أعجب شأن؟! قلت: وما ذاك؟ قالوا: إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب، فقمت معهم لأتبين الأمر، فوجدته كما وصفوا، وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض، فقلت: أرموهم، فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهم منا إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله، فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمّى والقشعريرة ورحلت عن القبر لوقتي، ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به (12).
وانتشر ظلم المتوكل وذاع خبر هدمه قبر سبط الرسول(صلى الله عليه وآله) بين الناس فتألم المسلمون لذلك وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان، وهجاء الشعراء. ولقد وضع المتوكل يده على أوقاف الحائر وصادر أموال خزينة الحسين (عليه السلام) ووزعها على جنوده قائلاً: (إن القبر ليس بحاجة إلى الأموال والخزائن) (13) وروي
لما أجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوماً وانمحى اثر القبر فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذه قبضة قبضة ويشمه حتى وقع على قبر الحسين (عليه السلام) وبكى، وقال بأبي أنت وأمي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ميتاً ثم بكى وانشأ يقول:

                                               أرادوا ليخفوا قبره عن وليه       فطيب تراب القبر دل على القبر(14)

علماً ان ما جرى على قبر الإمام الحسين (عليه السلام) جرى على قبر سيدنا ومولانا ابي الفضل العباس (عليه السلام).
 سنة 269 هـ تعرضت عتبات كربلاء المقدسة للعبث والسرقة من قبل ضبة الاسدي، حيث قال أرباب السِيّر أن ضبة كان أميراً لمدينة عين التمر أغار
على كربلاء ونهبها وحمل اهلها أسارى الى قلعة عين التمر فهجم عضد الدولة بجيشه على عين التمر وحاصر قلعتها مدة من الزمن فلم يشعر ضبة إلا والعسكر محاصر قلعته، فلم يفكر إلا بالفرار والنجاة بنفسه وجواده من أعلى سور القلعة، فحطم جواده ونجا بنفسه وولى هارباً، فاستولى عضد الدولة على القلعة المذكورة وآخذ اهلها أسارى الى كربلاء، وارجع اهالي كربلاء الموجودين في أسر ضبة الى مدينتهم(15).
الهوامش
-------------
(1) دائرة المعارف الحسينية ـ تاريخ المراقد ـ ج 1/ آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي: ص269.
(2) تاريخ كربلاء وحائر الحسين/ الدكتورعبد الجواد بن علي الكليدار: ص203.
(3) دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري: 628.
(4) بحار الأنوار للمجلسي: 45/ 394: ح2.
(5) مجالي اللطف: 2/ 26.
(6) بحار الأنوار: للمجلسي 45/397 ح5- 45/395/ح3.
(7) تاريخ كربلاء وحائر الحسين عليه السلام/ عبد الجواد بن علي الكليدار: 209.
(8) تاريخ الحركة العلمية في كربلاء/ نور الدين بن محمد الشاهرودي: 16.
(9) مقاتل الطالبيين: علي بن الحسين الأصفهاني: 479.
(10) بحار الأنوار: للمجلسي: 45/ 397 ح5.
(11) تاريخ كربلاء وحائر الحسين: عبد الجواد بن علي الكليدار: 214. (12)بحار الأنوار: للمجلسي: 45/ 395/ ح4.
(13) تاريخ كربلاء وحائر الحسين: عبد الجواد بن علي الكليدار: 163.
(14) ترجمة ريحانة الرسول المستل من تاريخ دمشق لابن عساكر: 275.
(15) الكامل لابن الاثير ج7 ص153.

القرن التاسع الهجري
 سنة 858 هـ تم تخريب المرقد من قبل علي بن فلاح من أُمراء دولة المشعشعين في الاهواز والحويزة ويلقبه صاحب الضوء اللامع، (الخارجي (الشعشاع)) ويدعوه غيره بالمولى علي، وولي الأمر، في أواخر أيام أبيه، حيث حمل الناس على الاعتقاد بأن روح الإمام علي (عليه السلام) قد حلت فيه!!! ثم ادعى الالوهية(1) وفي ذلك العام المذكور دخل الروضة الحسينية المقدسة بفرسه وأمر بكسر الصندوق الموضوع على القبر وجعل الروضة مطبخاً لطهي طعام جنوده!!! وأعمل في أهلها السيف ونهب أموالها كما سلب كل ما كان في الروضتين المطهرتين من التحف الثمينة النادرة، وكان قبلها عمل في النجف الأشرف ما عمله في كربلاء المقدسة، وبعد أن استولى عليهما ولى هارباً الى البصرة بعد علومه بقدوم جيشٍ عرمرم لمقاتلته بقيادة (بير بوداق)، ثم خرج هارباً من البصرة الى ايران وفيها أصابه سهم من بعض الاتراك ومات سنة 861هـ.
الهوامش
-------------
1- الأعلام، علي لزركلي5 ص175.

القرن الثالث عشر الهجري
 حادثة الوهابية

وكانت هذه الحادثة سنة 1216هـ وتسمى بحادثة الطف الثانية، وقد ذكر لونكريك تفاصيل هذا الحادث المؤلم فقال: إذ انتشر خبر اقتراب الوهابين من كربلاء في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بالزيارة الخاصة بيوم الغدير، فسارع من بقي في المدينة لإغلاق الأبواب، غير ان الوهابيين - وقد قدروا بستمائة هجان واربعمائة فارس - نزلوا فنصبوا خيامهم وقسموا قوتهم الى ثلاثة أقسام ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب باب من أبواب البلدة فتمكنوا من فتحه عسفا ودخلوا البلدة فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم، اما الوهابيون الخُشن فقد شقوا طريقهم الى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وأمراء وملوك الفرس وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة وجمع من هذا الضرب وقد سحبت جميعاً ونقلت الى الخارج وقتل زيادة على هذه الأفاعيل
قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح وخمسمائة أيضا خارج الضريح في الصحن، أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فسادا وتخريباً وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرق كل دار، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل ولم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم ولقد قَدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة وقدر الآخرون العدد بأضعاف ذلك.
 حادثة نجيب باشا
وقعت هذه الحادثة أواخر عام 1258هـ وقد قتل الكثير من الرجال والنساء والأطفال وكان القتل على يد الوالي العثماني محمد نجيب باشا الذي ولي على بغداد فامر بأقتحام مدينة كربلاء المقدسة بعد ان أبى أبناء هذه المدينة الخضوع لحكمه وما يصدره من أحكام جائرة، عند ذاك أمر أهالي المدينة بنزع اسلحتهم والخضوع لسلطة الدولة العثمانية وامهلهم لذلك شهراً كاملا وبعد انقضاء المدة المحددة لم يكن هناك أي تبدل في موقف أهالي كربلاء المقدسة مما أضطر نجيب باشا الى تجهيز جيش بقيادة سعد الله باشا وسيره إليها وحاصر المدينة حصاراً شديداً وأمطرها بوابل من القنابل، عندها لجأ الناس الى الضريح المقدس لسيدنا ومولانا ابي الفضل العباس (عليه السلام) يستغيثونه ويستنجدون به من القتل، وقد هاجمهم الجيش العثماني من جهة باب الخان حيث أحدثوا ثغرةً في سور الصحن واستمر القتال لمدة يومين، وقد بلغ عدد الضحايا عشرة آلاف، منهم جمع كبيرٌ من العلماء والسادات.
يذكر الشيخ عبد الحسين احمد الاميني في كتابه (شهداء الفضيلة) عمن شهد الواقعة من الثقات أنهم قالوا أنه لما اقفل العسكر، أحصينا القتلى وسألنا الحفارين وتحققنا من ذلك فكان عدد القتلى يزيد على عشرين ألفا من رجل وامرأة وصبي، وكان يوضع في القبر الأربعة والخمسة الى العشرة فيهال عليهم التراب بِلا غسل ولا كفن، وتفقدنا القتلى فكان كثيرٌ منهم في الدور، ووجدنا في السرداب الذي تحت رواق حرم أبي الفضل العباس (عليه السلام) أكثر من ثلاثمائة قتيل، ويبدو ان الطاغية محمد نجيب باشا استولى على البلد وأباحه ثلاثة ايام قتلا وسلباً ونهباً ودخل بجيشه الى صحن العباس (عليه السلام) وخرب الأبنية وقتل من لاذ بالقبر الشريف.

القرن الخامس عشر الهجري


 إنتفاضة شعبان 1411 هـ - آذار1991م
ضاقت الناس ذرعا من أساليب اللانظام الطاغوتي المجرم الذي كان يحكم العراق بالحديد والنار منذ ثلاث وعشرين سنة (1) وازداد الأمر سوءً بعد مغامرة الطاغية المخلوع بدخول دولة الكويت غازياً في 2/8/1990م، ومهاجمة دول التحالف الغربي بقيادة أميركا لجيشه هناك بدءً من ليلة 17/1/1991م مما أدى الى تفككه وانكساره وعودته من الكويت مشياً على الاقدام - لعدم وجود وسائط نقل كافية واستهدافها بالقصف الجوي الشديد الذي طال حتى مجاميع الجنود العزل خلال انسحابهم (2) الأمر الذي خلق في نفوس أغلبهم من الذين دخلوا هذه المعركة غير المتكافئة، سخطا شديداً على نظام الطاغية الذي جر البلاد إلى مغامرة جديدة أودت هذه المرة بقوتها العسكرية، وبما تبقى من اقتصادها الغني نظرياً، وغير المستثمر بشكل صحيح واقعاً، والمتهالك أصلاً بسبب حروبه السابقة وسوء إدارته للبلاد، ووضعت تلك المعركة الجيش في أسوأ حال.
وقد تبعت هذه الحربَ تداعياتٌ كثيرة بسبب استهداف قوى التحالف - المعتدية - للبنى التحتية العراقية من مصانع ومنشآت مدنية ومحطات للوقود والكهرباء ومنشآت السدود ومراكز المياه وكل ما يتعلق بقوت الناس مما أصاب حياتهم بالشلل، الأمر الذي جعل الناس البسطاء غير قادرين على توفير قوت يومهم فضلا عن القتل والتدمير الذي ألحقته الطائرات والصواريخ الأمريكية وحلفاؤها بالمدنيين وانعدام أو ندرة الخدمات كالماء والكهرباء والخدمات العامة.
كل ذلك وما يعضده من بطش اللانظام قبل وبعدالحرب وخلالها كان دافعا قويا ألهب حماسة الشعب والكثير من جنود الجيش الوطنيين ومن المغلوبين على أمرهم والفارين من أتون الحرب غير المتكافئة، للقيام بالثورة في أغلب محافظات العراق الثمانية عشر - حيث لم تثر اثنتان منها فيما ثارت بعض المدن في الاثنتين الأخريين- فتم تحرير(14) من المحافظات التي ثارت كل مدنها وقراها ومنها كربلاء المقدسة التي كانت لها حصة الأسد في هذه الثورة الشعبية التي انطلقت فيها شرارتها في يوم الثلاثاء الخامس من آذار 1991م.
وبقيت المدينة المقدسة تقاوم أزلام اللانظام وما تَبَقى من أفراد جيشه المنهار من المؤيدين له - بعد فرار الآخرين وانضمام بعضهم للشعب - والذي أخذ يلملم شتاته من هنا وهناك لمهاجمة المدينة المقدسة وخاصة من فرق الحرس الجمهوري. وعلى مدى (14) يوماً وبشتى أنواع الأسلحة، حيث قدم فيها الأهالي كل غالٍ ونفيس من خلال مقاومة بطولية شرسة تحطمت على صخرتها كل محاولات الجيش الصدامي بالنفاذ والدخول الى المدينة المُقاوِمَة، مما اضطر اللانظام أخيرا الى قصفها من الجو والبر قصفاً عنيفاً لم تشهد مثله صفحات تأريخ الطغاة ضد شعوبهم، بعد ان سمحت أميركا للنظام الصدامي المقبور باستخدام الطائرات العمودية في قتاله للشعب رغم حضر طيران اللانظام من قبل أميركا أصلاً على أثر إخراجه من الكويت!!! وقد عزا المحللون هذا الدعم الأميركي للنظام - رغم محاربتها إياه - إلى خوفها من نجاح الثورة الشعبية العراقية في هذه الانتفاضة المباركة، التي كانت من الممكن أن تتمخض عن تشكيل حكومة لا توالي الغرب في العراق كبديل غير مرغوب فيه عن صدام، لأنه هو الذي حقق لأميركا والغرب ما لم يحققه أي حاكم عميل من تخريب وتدمير للبلاد أرضاً وشعبا وبالتالي زوال خطر - ولو إلى حين- صيرورته بلداً متقدما بما يشكله من إمكانات مادية وبشرية تؤهله لذلك فيما لو حكمه المخلصون من أبنائه، فيشكل حينها خطراً على أمن الكيان الصهيوني الحليف الستراتيجي لأمريكا، فضلاً عن إضرار مصالحها الأخرى في المنطقة.
وهذا ما دعا أمريكا وقوى الغرب لدعم حكم الطاغية ريثما تحين ظروف أكثر ملاءَمَةً لها لتكون هي صاحبة القرار والمبادرة لإسقاطه (3)
الهوامش
-------------
(1) -   اٌطيح بهذا اللانظام في 9/4/2003م بحرب احتلال العراق من قبل أميركا وحلفائها بعد وصوله إلى سدة الحكم بتأريخ 17/7/ 1968م في انقلاب ساعدت في نجاحه الولايات المتحدة نفسها - كما اعترف بذلك فيما بعد أحد الانقلابيين-، حيث أزاح الانقلابيون رفاقهم السابقين في حزب البعث (المنحل بعد 9/4/2003م) والقوميين بعد أن أزاحوهم في 17/11/ 1963م بعد وصول أولئك البعثيين والقوميين إلى الحكم في انقلاب دموي في8/2/1963م على أول حكم جمهوري للعراق جاء في14/7/1958م إثر انقلاب دموي أيضاً أطاح بآخر ملوك الحكم الملكي الثلاثة والذي توج أولهم في 23/8/1921م بدعم بريطاني عقب تشكيل الحكومة المؤقتة أواخر عام 1920م من قبل الاحتلال البريطاني والتي شـُكلت إثر ضغوط ثورة العشرين الكبرى ضد الاحتلال بقيادة مراجع الدين العظام والمطالـِبة بالاستقلال وبتشكيل حكومة عراقية.
(2) -  أخرجت أميركا وحلفائها جيش الطاغية صدام من عاصمة الكويت في 26/2/1991م بعد حرب دامت 43 يوماً انتهت رسميا في 28/2/1991م ألقي فيها على العراق من القنابل والصواريخ ما يعادل مجموع (5) قنابل ذرية مماثلة لتلك التي اُلقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية، كما تناقلته الكثير من وسائل الإعلام آنذاك، وانسحب آخر جندي عراقي من دولة الكويت في 2/3/1991م بعد سبعة أشهر من احتلالها وبعد آخر معركة حصلت في جزيرة فيلكة بعد الوقف الرسمي لإطلاق النار لأن الجنود العراقيين في الجزيرة استمروا في القتال ولم يعلموا بالانسحاب وبانتهاء الحرب بسبب انقطاع الاتصالات مع قيادتهم، وهو ما يكشف عمق النفق المظلم الذي أدخل الطاغية فيه جيشه وشعبه.
(3) - وهو ما فعلته الولايات المتحدة بتأريخ 9/4/2003م بعد بدء غزوها للعراق في 20/3/2003م في حرب بدأت بسبب عدم التزام حكومة الطاغية بقرارات المجتمع الدولي التي صدرت بعد إخراج قواته الغازية من الكويت والخاصة بإزالة اسلحة الدمار الشامل التي ادعت الإدارة الأمريكية بأنها ما زالت تـُنتج من قبله، ولم تكد حرب الثلاثة أسابيع لتنتهي بعد، حتى تبدلت تلك الدعوى - وقبل التأكد من صحتها- إلى: خطورة بقاء ذلك اللانظام على المجتمع الدولي ومن ثم ضرورة إسقاطه، وهذا ما حصل بالفعل، رغم أن نفس هذا اللانظام كان خطراً بالفعل منذ نشأته وقد دعمته تلك الإدارة في الانتفاضة الشعبانية 1411هـ الموافق آذار1991م عندما آل إلى السقوط بإرادة الشعب العراقي، وهي من ساعدته في امتلاك أسباب إنتاج اسلحة الدمار الشامل!! وقدمت له الدعم اللوجستي وغيره في حرب الخليج الأولى وحتى في وصوله للسلطة!!!.
ولتفوّت على العراقيين مرة أخرى فرصة زوال الطاغية بإرادتهم، وهم قادرين على ذلك بعون الله، بدليل ما حصل في هذه الانتفاضة من انتصارات ساحقة أدّت إلى سيطرة ثوار الشعب والأحرار من أفراد الجيش المنضم إليه، وإبقاء بلدهم مستقلا دون غزو وإملاءات خارجية وتداعيات ما زالت مستمرة لحد الآن.
 

 

منقول من تاريخ العتبة العباسية المقدسة
 

 

إرسال تعليق

 
Copyleft © 2013 دائرة احياء الشعائر الحسينية
علي