شعرُ أبي طالب
دراسة أدبية ((الجزء الأول)) وفق تجزئة إدارة الموقع تأليف د. هناء عباس عليوي كشكول أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه قدّمتها الدكتورة هناء عباس عليوي كشكول إلى كلية الآداب / جامعة الكوفة ونالت درجة جيد جداً عال ------------------------------------
«سُبحانَ رّبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عمّا يَصفونَ وَسَلامٌ على المُرسَلينَ والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ»، الذي نصر رسوله الامين بعمه الناصر لدين الله أبي طالب والد أميرالمؤمنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث فينا رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه ومن والاه الى يوم الدين، وبعد:
زخر زمن البعثة برجال عظام كانوا المثل الاعلى بالايمان العميق بالله، والتضحية في سبيل اعلاء كلمة الحق، والعمل الصالح لخير البشرية، ففي حياتهم معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والصبر والايمان، فلم يخنق الزمن اصواتهم على مر العصور، ولم يمح الكلام اثارهم من الاذان على مر الدهور.
وتراثنا الادبي حافل باولئك المشاهير والشعراء، وفي مقدمتهم أبو طالب بن عبد المطلب (85- 3 ق.هـ)، (540- 620م) عم النبي (صلى الله عليه وآله) عاش في الجاهلية بروح الدين الحنيف نابذاً العادات والتقاليد الذميمة، مهتدياً بروح التوحيد، آمن بالله وبكتبه وبرسله وملائكته واليوم الاخر، وعندما بزغ فجر الاسلام كان أول من ناصر الدعوة المحمدية، وذاد عنها، وحمى صاحبها، ودافع عنه، واول من اثبت دعائم اركان الاسلام وصدع صوته مغردا في مسامع الدهر نشيدا ايمانياً صادقا خالدا من خلال ايمانه المبكر بنبوة ابن اخيه نور الهدى، فاعزَّ الله الاسلام بعمه أبي طالب اشرف رجال قريش وحاكم مكة ورئيسها، والبطل في مواقفه للاسلام في صفاء سريرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، ونبل اخلاقه، ولطف انسانيته، وعمق ايمانه.
ومن دواعي دراستنا لشعر أبي طالب أن الادباء لم يولوا شعره كما يستحق من الدراسة الادبية، فلم نعثر على كتاب أدبي مخصص يعطي صورة صادقة لفن هذا الشاعر، ولم تعطِ المظان صورة قريبة او بعيدة عن فن الشعر الاسلامي في زمن البعثة التي واكبت الجهر بالدعوة الاسلامية في قريش وانذار عشيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) الاقربين، التي امدها عشر سنين لازم فيها أبو طالب ابن أخيه مؤيدا وناصرا ومساندا ومؤازرا ومدافعا عنه أذى مشركي قريش، في الوقت الذي تعد هذه الحقبة الزمنية من أقدس حقب الادب الاسلامي في نفوس المسلمين؛ لأنها تمثل مرحلة الوحي، ونشر الدعوة الاسلامية، ومن المعروف أن الظواهر الادبية لا تتبلور وتكتمل في مرحلة الانتقال من حقبة الى اخرى مباشرة، ومن المسلم به ان شعراء مكة لم يتباروا في الدخول في زمام معركة شعرية حقيقية وقتذاك فقد نظروا الى الدعوة بامكانهم اخمادها ووأدها، ولذلك لم تكن في هذه الحقبة حركة ادبية واضحة، ولكن اصول الظواهر الادبية الاسلامية الجديدة وجذورها وجدت فيها، ولا سيما في شعر أبي طالب الذي يمثل تأصيل الظواهر الادبية في الادب الاسلامي، فيمثل شعره مرحلة مهمة من أدب تلك الحقبة، فحدود البحث تمتد لزمن قريب من هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) الى المدينة.
على أننا لا نغفل أن كثيراً من شعراء المشركين الذين ظهرت أسماؤهم بعد فتح مكة بتسعة عشر عاما من بعثة الرسول الكريم هاجوا شعراء الرسول (صلى الله عليه وآله) بيد انهم دخلوا الاسلام، فتحرج الرواة من ذكر اشعارهم التي هاجوا بها الاسلام، فلهذا السبب والاسباب التي ذكرناها آنفا كانت من دواعي إهمال تلك الحقبة المهمة في دراسة الادب العربي الاسلامي؛ لذلك كله وجدتُ فرصة سانحة في دراسة شعر أبي طالب، فحملت نفسي جاهدة على ركاب رحلة ممتعة نقطف من ثمارها دراسة جدية تأخذ بالحسبان تأصيل الظواهر الادبية على أن أبا طالب شاعر الاسلام الأول، يحفل شعره بالقديم والمتطور والجديد، فوجدتُ أن ادرسَهُ دراسة أدبية؛ لتوافر المعايير الفنية المؤثرة في المتقبل؛ لاستجلاء قيمتها المتدرجة ضمن شكل تعبيري تقني معين، والدراسة الأدبية أوسع مجالا في البحث وأرحب شمولا لدراسة الظواهر الادبية في شعره، متوخية الدقة والاحاطة والشمول في جميع شعره المتوافر لدي في ديوانه، والمتدافع منه، ومما ظفرت به من المظان؛ لاعطي صورة تقريبية من شعره على المستويين: الموضوع والفن، بما يليق بهذه الشخصية الفذة ناصر الرسول (صلى الله عليه وآله).
وقد وقع الاختيار على ديوان أبي طالب بن عبد المطلب صنعة أبي هفّان المهزمي البصري(ت257هـ) وصنعة علي بن حمزة البصري التميمي(ت375هـ)، بتحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، وهي طبعة محققة تحقيقا علميا تفوق الطبعات الاخرى، واشمل لشعر أبي طالب، وما لم نجده في هذه الطبعة عُدتُ به الى الطبعات الاخرى، واذا لم نظفر بما نريده في هذه النسخ المطبوعة للديوان راجعتُ الى بطون الكتب في سبيل اتقان عملي.
بلغ عدد الأبيات المدروسة الفاً وتسعة وعشرون بيتا وشطراً، واعتمدت في منهج البحث على التحليل الوصفي والموضوعي اللذين يجنحان الى تحليل النص واستنطاقه وابراز الحقائق فيه وما يرقد وراءها مراعية أصولاً عقلية مقررة، وحاولت في دراسة النص تحقيق الصلة التأريخية في عدم فصله عن ظرفه الذي ولد فيه من خلال الإفادة من الاشارات التأريخية القديمة التي عالجت سيرة حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) مع عمه أبي طالب وحرصتُ في منهجي على ابراز الشاهد أو أكثر بحسب ورود الظاهرة، لدعم تثبيت حقيقة كنت قد أشرتُ اليها، ولمعرفة الزيادات الفنية والتطور الذي نهض به شعر أبي طالب في الدراسة، ثم دراسة التفاصيل بحسب اهميتها، وأوردت إحصاء لكل ظاهرة أدبية مدروسة، وحرصت على أن أذكر مقدمة لكل مبحث وأتبع نهايته بخلاصة موجزة.
واستعنت في دراستي بمظان الأدب والبلاغة والنقد واللغة والتأريخ والأخبار والسير، واطلعت على غير قليل من الدراسات الادبية الحديثة فوجدت أنها تحتوي على آراء متباينة ونافعة.
وفي ضوء هذه المعطيات ومراجعة المادة انتظم البحث في تمهيد، وثمانية فصول: واهم النتائج التي خلصتُ إليها في خاتمته، وملحقين تابعين لمتطلبات الاطروحة، وقد اقتضت طبيعة موضوع الاطروحة ان امهد له بالحديث عن جانب من جوانب حياة أبي طالب مع مسيرة ابن اخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن جلَّ شعره في الرسالة وصاحبها، وقد أوجزت في الحديث عن ايمانه، وأومأتُ الى المراجع والدراسات للاطلاع عليها، لكثرة ما كُتب عن عقيدته، بيد أن البحث لم يغفل عن هذه القضية العقائدية التي ترتبط بشعره، ولا سيما في مرحلة مواجهته لطواغيت الشرك من قريش ولو بهذا الايجاز.
تكفل الفصل الاول في دراسة مصادر شعر أبي طالب وتوثيقه بسبب ما زرعه بعض الباحثين المستشرقين ومن تابعهم من الباحثين العرب من شك في شعره مما جعل الباحثين يقفون موقف الحيطة والحذر والتهيب والتردد فعزفوا عن دراسته، فكان من المفيد توثيق شعره.
وفي دراسة الموضوع كشف الفصل الثاني: الرثاء والفخر والمديح ابعاد علاقة الفنون الشعرية الثلاثة، وضمَّن الرثاء: الندب والتأبين والعزاء، واتجه الفخر الى سبيلين: الفخر الذاتي والفخر الجماعي، وسلك المديح مسلكين: المديح النبوي والمديح العام.
ونهض الفصل الثالث: شعر العقيدة بدراسة الابعاد العقائدية: التوحيد والتصديق، ومن دواعي الايمان بالرسالة المحمدية التصديق بمعجزاته ونصرته، وعرض موضوع النصرة مباحث جانبيه في الحث على الصبر والنصيحة والوصية تتعلق جميعها بمضامين محتويات هذا الفصل .
وعقدَ الفصل الرابع: العتاب والتحذير والتهديد والهجاء في بيان العلاقة بين هذه الموضوعات، فبرز في العتاب نوعان من العتاب: الشخصي والجماعي اللذان قادا الشاعر الى التحذير والتهديد وقد يسلك سبيل الهجاء في بعض الاحايين.
وفي دراسة الفن عرض الفصل الخامس: البناء الفني في شعره، فتضمن القصائد ذوات المقدمات وتعدد الاغراض فيها، وبناء القصيدة المباشرة والمقطوعات، وشملت بناء الغرض الواحد وتعدده، وعلى هذا أسس الرجز أيضاً.
وتطرق الفصل السادس: لغة شعره الى دراسة الالفاظ المتضمنة اسماء الأعلام: الرجال والنساء والقبائل، والامكنة، ولا سيما الأماكن الدينية، واتجه مبحث الصياغة الى دراسة الأساليب اللغوية: النفي والتوكيد والاستفهام والامر والنداء، وألحق في الفصل دراسة أثر الاسلام في لغة شعر أبي طالب.
وحفل الفصل السابع بدراسة الايقاع في شعره، ومن مظاهره: الوزن والقافية، واهم الظواهر الايقاعية: التكرار والتدوير والضرائر .
وتكفل الفصل الثامن بالصورة الفنية في شعره ومصادر الصورة المستمدة من روافد ثقافية: تراثية ودينية، ومن البيئة الحضرية في مشاهدات الشاعر اليومية، وفي مصادر الصورة البيانية نطالع الصور التشبيهية والكنائية والاستعارية.
وفي النتائج نصيب وافر في انبلاج الرؤية عن شعر أبي طالب القديم والمتطور والجديد على المستويين: الموضوع والفن.
واتبعت النتائج بملحقين هما من متطلبات الرسالة وثبت بالمصادر والمراجع.
بقي ان اقول: إن عليَّ أن أقرَّ بفضل جميل أسداه إليَّ الدكتور حاكم حبيب الكريطي عندما اقترح العنوان موضوعا للاطروحة والاشراف عليها ومتابعتها، فاثني عليه بجميل الدعاء، أدامه الله وأبقاه.
وبعد: قصارى ما نتمناه وعرضناه ونقدناه من هذا السفر النفيس لشعر أبي طالب على وفق ما تخيلناه، نظرنا فيه بعين الانصاف متوخين الحقيقة بدقة وحرص شديدين، وما شاء القارئأن يتخيل صوراً نابضة بالحيوية، نسأل الله السداد في التفكير والقول، وأن يلهمنا الصواب والرشاد، ويجنبنا الزلل والعثار، إنه نعم المجيب والحمد لله رب العالمين.
هناء عباس كشكول
النجف الاشرف الاول من غرة رمضان المبارك لسنة 1428هـ
الثالث عشر من ايلول لسنة 2007م
***
جانب من حياة أبي طالب
من المفيد الايماء الى رئاسة أبي طالب في عمقها التاريخي، فهو ينتسب الى قصي بن كلاب من ذرية النبي ابراهيم (عليه السلام) الذي استطاع ان يوحّد قريش ويبعد خزاعة بعد معركة أريقت فيها دماء كثيرة، وحاز قصي شرف مكة كلها، فكانت بيده السقاية والرفادة والندوة واللواء والقيادة(1)، وهي من أهم المناصب الادارية في المجتمع المكي(2)، و«كانت قريش وعامة ولد معد بن عدنان على بعض دين إبراهيم يحجون البيت، ويقيمون المناسك ويقرون الضيف، ويعظمون الأشهر الحرم، وينكرون الفواحش، والتقاطع والتظالم، ويعاقبون على الجرائم، فلم يزالوا على ذلك ما كانوا ولاة البيت» (3).
وقسم قصي المهام الادارية بين أولاده من بعده، فجعل السقاية والرئاسة لعبد مناف، والدار لعبد الدار والرفادة لعبد العزة وحافتي الوادي لعبد قصي(4)، وخلَّف عبد مناف من بعده هاشما وهو أول من سنَّ الرحلتين لقريش رحلتي الشتاء والصيف، وأول من أطعم الثريد للحجاج بمكة، وتولى الرئاسة والسقاية والرفادة(5)، ثم تولى عبد المطلب بن هاشم الرئاسة والسقاية والرفادة بعد عمه المطلب، وكان شريفا في قومه مطاعا سيدا(6)، و «أحسن قريش وجها وأمدَّه جسما واحلمه حلما واجوده كفا وابعد الناس من كل موبقة تُفسد الرجال، ولم يره ملك قط إلا اكرمه وشفَّعه» (7)، وقد اعطاه الله من الشرف ما لم يعط أحدا من آبائه، فجدد حفر بئر زمزم الذي كان على عهد نبي الله ابراهيم (عليه السلام) فاكرمه الله بسقاية زمزم(8) وحكَّمته قريش في اموالها، واطعم في المحل حتى اطعم الطير والوحوش في الجبال، وكان يقول لابنه أبي طالب: «أي بني: قد أطعمت الناس فانطلق بهذه الجزائر، فانحرها على أبي قبيس حتى يأكلها الطير، والسباع، ففعل أبو طالب ذلك فأصابها الطير والسباع فقال أبو طالب:
{من الطويل}
ونُطعِــمُ حتّــى تأكــــلَ الطـيرُ فَضْلَنــا إذا جَعَلـــَتْ أيــدي الِمفيضِينَ تـرْعَدُ»(9)
وعبد المطلب «اول من تحنث بحراء.... وكان اذا أهلَّ هلال شهر رمضان، دخل بحراء فلم يخرج حتى ينسلخ الشهر، ويطعم المساكين وكان يعظم الظلم بمكة، ويكثر الطواف بالبيت»(10).
فقد كان من الموحدين(11) سنَّ «سُنناً نزل القرآن باكثرها، وجاءت السنة من رسول الله بها وهي: الوفاء بالنّذور، ومائة من الابل في الدية، وألا تنكح ذات محرم، ولاتؤتي البيوت من ظهورها، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل المؤودة، والمُباهلة، وتحريم الخمر وتحريم الزناء، والحدَّ عليه، والقرعة، وألاّ يطوف احدٌ في البيت عرياناً، وإضافة الضيف، وألا ينفقوا اذا حجوا إلا من طيب اموالهم، وتعظيم الأشهر الحرم، ونفي ذوات الرايات...فكانت قريش تقول: عبد المطلب ابراهيم الثاني» (12) وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «إن الله يبعث جدي عبد المطلب امة واحدة في هيأة الانبياء وزي الملوك» (13).
وأولاد عبد المطلب عشرة ومنهم : أبو طالب والزبير وعبدالله والد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وامهم «فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم» (14)، وكان أبو طالب امتداداً للسلالة الرفيعة من اجداد النبي(صلى الله عليه وآله)، والوارث لقيمهم ومواقعهم الاجتماعية والسياسية، ولعلو مقامهم، وعراقة اصلهم، وعظم كرمهم، يفتخر أبوطالب بهم قائلاً:
{من المتقارب}
وأبو طالب عبد مناف تزوج من بنت عمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي(16)، وقد أنجبت من الذكور طالبا(17)، وبه يكنى أبوه، وعقيلاً وجعفراً وعلياً، وكان بين واحد واخر عشر سنين(18)، ومن الاناث ام هانيء، وجمانة، وريطة، وكان أبو طالب وسيماً جسيماً عليه بهاء الملوك، ووقار الحكماء، وكانت قريش تسميه الشيخ، وكانوا يهابونه ويخافون سطوته، فهو شيخ قريش، وسيد البطحاء، ورئيس مكة(19)،كما كان أبوه يلقب بذلك وهو سيد قريش ورئيسها وحاكمها والمطاع فيها حتى هلك(20).
لقد خلَف أبو طالب اباه في الزعامة للمزايا التي يتمتع بها من كريم الصفات، فألقت قريش امورها اليه، لانها رأت فيه شيخاً ذا رأي وعقل وخبرة وحكمة واخلاق وقدر، فهو الذي تلجأ اليه في مهماتها، وتعتمد عليه في ملماتها، وهو المطاع الرئيس المهيب مع فقره فلم يسُد في الجاهلية احد إلا بمال غير أبي طالب(21)، وعتبة بن ربيعة(22)، فقد كان أبو طالب «يبيع العطر، وربما باع البُر» (23) في وقت كان ينظر أهل مكة قبل الاسلام الى أن شؤون السيادة بيد الاثرياء، ولكن خُلق أبي طالب، ورجاحة عقله، وكرم نفسه، وعفة ضميره، هيَّأته لأن يسود ويعلو رأيه اراء الاغنياء، ويخلف اباه في زعامة قريش فعهد اليه عبد المطلب بسقاية حجاج بيت الله الحرام، ثم سلمها أبو طالب الى اخيه العباس بن عبد المطلب(24) و«أبو طالب أول من سنَّ القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة، ثم اثبتتها السُّنة في الاسلام» (25).
وجمع أبو طالب الى جانب السيادة والحكم والشرف وعراقة النسب: الحلم والادب، فـ«لقد قيل لأكثم(26) ممن تعلمت الحكم، والرياسة، والحلم، والسياسة؟ فقال: من حليف الحلم والادب، سيد العجم والعرب أبي طالب بن عبد المطلب» (27).
تعرضت شخصية أبي طالب الى التكفير، وكان القصد من هذا التعريض الطعن بشخصية ابنه أميرالمؤمنين الامام علي (عليه السلام) من القادة والامراء والولاة الذين ساروا مع ركب السياسة الاموية، واتبع بعض المحدثين والمفسرين والمؤرخين ما خاضته السياسية الاموية بقصد او بغير قصد(28).
فقد بلغ اختلاف المسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولاسيما في عهد معاوية اوجه، فلم تشأ السياسية الاموية في مراحل التدوين ان تدع الثقافة تجري بعيدا عن سلطانها، فرسمت لها مسارا لا تتعداه، ومنها ان تمنع الحديث بسيرة الامام وأهل البيت وفضائلهم، والتبرؤ منهم في خطب الجمع وقنوت الصلوات، ورويت بذلك أخبار مفتعلة لاحقيقة لها، فذكر «أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلا يُرغَبُ في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: ابو هريرة وعمرو ابن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير» (29) وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى وأُلقي الى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم، ونساءهم، وخدمهم، واستمر في ذلك الفقهاء والقضاة والقرّاء والمراؤون والمستضعفون طلبا لرضا الحكام، ولنيل عطاياهم(30)، حتى قال قوم من بني أُمية لمعاوية: «إنك قد بلغت ما أمّلت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل! {يريدون الامام علي (عليه السلام)} فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكرٌ فضلاً» (31) واستمرت السياسية الأموية في هذا الحال امدا طويلا (32).
ثم جاء اهل الحديث والاخبار فوجدوا اخبارا واحاديث فدوَّنوها، ومنها قضية تكفير أبي طالب، وعندما جاء العباسيون وجهوا هذا الاسلوب نحو اغراضهم السياسية مثلما فعل الامويون.
فهكذا كانت مصادر الثقافة ومادة عقائدها(33)، وما جاء بخلاف ما تهوى السلطة السياسية فسوف يثير حفيظتها، فلا غروا ان نقرأ مؤرخا مثل ابن هشام يتجاوز عن حذف بعض ابيات من قصيدة لأبي طالب فيها اقذاع لمشرك، فعلى سبيل التمثيل لا الحصر انه اورد قصيدة رواها ابن اسحاق لأبي طالب في التعريض بالمطعم بن عدي ومن خذله من بني عبد مناف، ثم عقب عليها بقوله: «تركنا منها بيتين اقذع فيهما» (34)، وربما يكون المتروك قول أبي طالب:
{من الطويل}
على الرغم مما جاء به التاريخ بشأن الوليد من الكفر، عمد ابن هشام الى حذف هذين البيتين وربما كان في ذهنه ان أهل العلا أبا طالب ورهطه يبغضهم الخصوم لعلو شأنهم، ولاسيما اذا كان المبغض جده الوليد عبدا لجدهم ، فابن هشام يرى أن الوليد يتساوى معهم وإلا فان ابن هشام لم يحذف الابيات التي فيها هجاء لعبد شمس ونوفل وتيم ومخزوم وزهرة(36)، وهم بطون قريش، وانما خص الابيات التي فيها قذع للوليد فحسب؛ ولابن هشام عذره لانه لا يستطيع ان يثبت حقيقة تصطدم وعقائد الناس وما ترسخت عليه اهواؤهم فوجد نفسه منساقا وراء اثار الثقافة السياسية العباسية(37)، وهذا الحذف يمثل نقصا في تحديد الاصول الحقيقية لشعر السيرة وهو ما يعارض ما قصده ابن هشام من توثيق وتحقيق للشعر الذي ورد في سيرة ابن اسحاق مثل ما هو معروف(38).
إنَّ انقاص ذكر الحقائق، ووضع الحديث، وما جيء به من تكفير شيخ الابطح أبي طالب الموحد على دين آباء عبد المطلب كان يراد به غاية سياسية، وذلك للنيل من ابنه الامام علي (عليه السلام)، فقد قال أبو طالب مخاطبا بني قصي(39) في حصار الشعب مستنكرا بهذا الشأن :
{من المتقارب}
ولا نريد ان نرد في هذا القضية، وذلك لتصدي اعلام المذاهب الاسلامية المختلفة لها، فأُلفت عشرات الكتب والبحوث في هذا الموضوع(41)؛ واكدوا أن أباطالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) مطهّر من ارجاس الجاهلية، ومنزّه عن عبادة الاوثان، ومن الرعيل الاول من المؤمنين بالرسالة المحمدية وكان موحداً على دين ابراهيم الخليل(عليه السلام) قبل الاسلام ثم مسلماً وحامياً لابن أخيه ومدافعاً عن الاسلام بالوسائل كلها.
وما يهمنا في هذه الصفحات أن شعر أبي طالب كفيل بحل هذه الاشكالية، فهو شعر صريح يقيناً برسالة النبي (صلى الله عليه وآله) وبنبوته وامانته وصدقه، وما بعث من الحق من ربه، وأنه خاتم النبيين، وسقنا ذلك بالدليل النقلي والعقلي في آن معا من خلال الحديث عن كفالته لابن أخيه ورعايته له وهو صغير وتربيته وهو يافع، والوقوف الى جانبه ومؤازرته ومناصرته وهو كبير حتى وفاته، وهو يصرح بوصيته بنصرة النبي لاخوته وابنائه وعشيرته.
فعندما كان عمر النبي (صلى الله عليه وآله) ثماني سنين، تولَّى أبو طالب رعاية ابن أخيه الذي حرم من حدب الاب وحنان الام بعد كفالة جده عبدالمطلب له، وقد التزم أبوطالب بكفالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بناء على تكليف عبد المطلب له، فعندما حضرته الوفاة، اوصاه بحفظ رسول الله وحياطته(42)، وخص أبا طالب من دون سائر ابنائه بشرف هذه الكفالة لما عرف من ابنه من محبته وحنانه وعطفه على ابن أخيه، فهذا الحب العظيم دفعه الى رعاية ابن أخيه سواء اكلَّفه ابوه بهذا الامر ام لا، واشتركت معه زوجه فاطمة بنت اسد فتشاطرت الحنان والعطف والرعاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (43) مع زوجها أبي طالب.
وتشرَّب النبي محمد(صلى الله عليه وآله) من الاخلاق الكريمة التي نبعت من عبد المطلب وابنه أبي طالب، وكأن الله لما اختار رسوله من بني عبد المطلب اختار لتنشئته هذا العم الفاضل الذي «كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا الى جنبه، ويخرج فيخرج معه وصبَّ به أبو طالب صبابة لم يَصَبّ مثلها بشيء قط» (44) فقال في حبه للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) :
{من الكامل}
وكُلِّف وجدا بحب ابن أخيه الذي جُبِلَّ عليه فقال:
{من الطويل}
وعُني أبو طالب بابن أخيه فكان المربي والراعي والحارس والحافظ لوصية ابيه عبد المطلب، وكان من رقة أبي طالب عند النظر الى ابن أخيه تهمل عيناه شفقة ورحمة فقال:
{من الكامل}
ان هذا الموقف يرتبط بيتم النبي(صلى الله عليه وآله) فهو اولى بالعطف والرحمة من غيره، ويبدو ان علّة بكاء عمه تعود الى ان يتمه يذكره بأخيه عبد الله والد النبي.
فقال:
{من الطويل}
وقد هيّأت القوة الالهية كفالة أبي طالب لابن أخيه وان يعلم من امر نبوته قبل البعثة وبعدها، فبشرت به الكتب القديمة والصحف السالفة المدونة عن الانبياء والعلماء من الامم الماضية من صفاته والبشارة به، وذكره ملوك البلدان: اليمن وفارس والروم وتوقعهم لبعثته وهجرته(49)، وحصلت ايات باهرة، ومعاجز قاهرة للعادة قبل ولادته وبعدها(50)، وبشر سيفُ بن ذي يزن عبدَ المطلب بأن له من صلبه نور النبوة(51)، وبشره اهل الكتاب بذلك ايضا، فذكر «أن اهل الكتاب يزعمون ان ابني هذا نبيُّ الامة» (52) يقصد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) واوصى ابنه أبا طالب قبل وفاته قائلا «يا أبا طالب ان لهذا الغلام لشأنا فاحفظه واستمسك به فانه فرد وحيد وكن له كالاب لا يوصل اليه بشيء يكرهه...يا أبا طالب ان ادركت ايامه فاعلم اني كنت من ابصر الناس ومن اعلم الناس به وان استطعت وإن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك فانه قريب سيسود ويملك ما لم يملك أحد من آبائي» (53).
ولمعرفة أبي طالب ببركة ابن أخيه يخرج به في يوم قحط وجدب، ويطلب منه ان يلصق ظهره بالكعبة، ويفعل الصبي ما يأمره عمه ويلوذ باصبعه نحو السماء وما فيها آنذاك غيمة، فيهطل المطر، ويخصب الوادي، وتحيا الارض وتنتعش(54)، فقال أبو طالب مستذكرا هذه الصورة بعد بعثة ابن أخيه:
{من الطويل}
و«لولا خاصّة النبّوة وسرّها لما كان مثلُ أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا، وهو شابٌّ قد ربِّي في حِجره وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى اولادِه بمثل قوله:
{من الطويل}
...فهذا شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم في محمد (صلى الله عليه وآله) وهو شابٌّ مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد ربّاه في حجره غُلاما وعلى عاتقه طفلا، وبين يديه شابا، يأكل من زاده، ويأوي الى داره، علمت موضع خاصيّة النبوّة وسرّها» (56).
ويعلم أبو طالب من اخبار الرهبان والكهان(57)، انه سيكون لابن أخيه شأن كبير، وانه سيملأ الدنيا نورا، وانه النبي المبعوث من رب العالمين وخاتم المرسلين، وقد اخبره الراهب بحيرا في سفرته الى الشام وبصحبته ابن أخيه عندما كان عمره اثنتي عشرة سنة، فعرّفه بامارات النبوة فيه، وأمره بالرجوع بابن أخيه لانه لا يأمن عليه دسائس الشرك ومكائد اليهود، فانهم إن عرفوا بعلامات نبوته لحقوا به الاذى وقتلوه، فرجع أبو طالب الى مكة حفاظا على ابن أخيه(58)، وكان رجال من اهل الكتاب وهم زرير وتمام ودريس قد رأوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك السفر الذي كان مع عمه أبي طالب فارادوا ان يغتالوه فردهم بحيرا وذكرهم الله وما يجدونه في الكتاب من ذكره وصفته، وانهم ان اجمعوا لما أرادوا به لم يخلصوا اليه، فعرفوا ما قال لهم وصدقوه وتركوا النبي، وانصرفوا عنه(59)، فقال أبو طالب في هذه الحادثة شعرا :
{من الطويل}
فأورد في هذه الابيات بياناً لهذه الحادثة التي اوردتها كتب السير والتاريخ تؤكد معرفة أبي طالب بشأن ابن أخيه، وما قاله الراهب لم يزد أبا طالب ايمانا فحسب، وانما زاده خوفا على ابن أخيه، فآثر الرجوع به الى مكة لهذا السبب، ويبدو من هذه التفاصيل التي اخذها اهل السير والتاريخ من هذا النص الشعري انهم قد زادوا فيها ليقربوها من الجذر التاريخي وليس الشعري.
ويفصح النص ان أبا طالب يتمتع بعقلية عميقة باسرار نبوة ابن أخيه، ويكشف البيت الاخير عن اليقين الحقيقي لشخصيته المليئة بالايمان.
إنَّ ما زاد أبو طالب في الوصاية والحرص على ابن أخيه هو ما رآه ومن معه في ظل الغمام له، وميل الشجرة بظلها عليه(61)، فبلغت عناية أبي طالب بابن أخيه ورعايته له انه كان يصحبه معه في فراشه خوفا عليه، ويمضي ليله ساهرا لئلا يقتله احد(62)، وهكذا «شب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أبي طالب يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من امور الجاهلية ومعايبها» (63).
وفي اثناء رعاية أبي طالب للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) كان يعرف مخايل نبوته، وامارات بركته، فعلى الرغم من ان أبا طالب كان مقلا في المال غمرته بركة ابن أخيه، فمما يذكر انه اذا اكل عياله فرادى، أو جميعا لم يشبعوا واذا ضمت المائدة النبي(صلى الله عليه وآله)، فانهم يقومون منها وهم شبعى، وفي الطعام فضلة، فكان أبو طالب اذا حضر وقت الطعام يبدأ بابن أخيه ليشرب اللبن من القعب، ثم يسقي اولاده من القعب الواحد جميعهم، فيقول له: انه لمبارك(64) .
إنَّ أبا طالب له علم بنبوة الانبياء ويدرك ما تمر به نبوتهم من مراحل وظهور امارات، وما يظهر من بركة ابن أخيه، هو من امارات النبوة، وقد أقرّ بهذا ايماناً قلبياً، وفعلاً عملياً، وقولاًيقينياً.
ومن الإرهاصات التي سبقت الدعوة الاسلامية للنبي(صلى الله عليه وآله) نبع الماء من الارض لعمه أبي طالب فقد ذكر ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان مع عمه أبي طالب بذي المجاز وقد عطش أبو طالب وليس ثمة ما يطفيء لهيب عطشه، فذكر ما ألم به من عطش الى ابن أخيه، فأهوى النبي (صلى الله عليه وآله) بعقبه الى الارض فتدفق الماء منها، وناول عمه الماء فشرب(65).
ولولا ايمان أبي طالب بنبوة ابن أخيه لما طلب منه ما يعجز الحصول عليه، ولهذا كله كان أبو طالب يشاهد ارهاصات النبوة التي تصدر من ابن أخيه منذ صغره، وانه كان مؤمنا به نبيا مرسلا، فهو مؤمن به قبل بعثته، ولهذا يطلب منه أن يدعو الله له بالشفاء عندما كان مريضا فدعا النبي(صلى الله عليه وآله) له فشفي وقام نشطا معافى(66)، والمتأمل لهذا الامارات واضرابها قبل مبعث النبي يتبين له عمق عقيدة أبي طالب بابن أخيه قبل ان يبعث رسولاً.
ومما يدل على ايمان أبي طالب برسالة ابن أخيه عارفا بمقامه، الخطبة التي ألقاها عند تزويج السيدة خديجة (رضي الله عنها) عندما طلب النبي(صلى الله عليه وآله) من عمه أبي طالب أن يعقد على لسانه رباطه المقدس معها، فقال أبو طالب خاطبا: «الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذريّة إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً وجعلنا الحكّام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن به، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله لا يُوزن برجل من قريش إلا رجح ولا يقاس بأحد إلا عظم عنه، وإن كان في المال قلّ فإن المال رزق حائل وظلّ زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة وصداق ما سألتموه عاجله من مالي، وله والله خطب عظيم ونبأ شائع» (67).
وتكشف الخطبة عن التوجه الديني، فأبو طالب وابن أخيه من ذرية خليل الله ابراهيم (عليه السلام) وعلى منهج التوحيد في اتباع دين الله الحنيف، واومأ أبو طالب الى بيان قدسية بيت الله الحرام وتعظيمه فهو رمز للعبادة وكان من فضل الله على قريش انه جعل الرئاسة بايدهم، والتمس أبو طالب السمو في اخلاق ابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله)، فهو لا يساويه أحد من شباب قريش في البر والفضل والحزم والرأي والنبل والمجد فافصح أبو طالب من أعماق بصيرته عن الاشادة بالمعايير الاخلاقية لابن أخيه، وكشف عن قدرته الواعية وايمانه بهذه القيم التي ستعتمدها الرسالة المحمدية بوصفها منهجا اخلاقيا للرجل الذي اصطفاه الله قائدا للامة في المستقبل، وهو يقسم ان له «خطباً عظيماً ونبأً شائعاً»، وهذا ما اكدته بشارات اهل الكتاب: الاحبار من اليهود والرهبان من النصارى، وما تحدث به الكهان من العرب بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل مبعثه لما تقارب زمانه(68).
ومن بين الادلة التي تحكي ايمان أبي طالب وتصديقه دعوة ابن أخيه ما حكي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) «قال يوما لعمه أبي طالب اني ارى في المنام رجلا يأتيني معه رجلان فيقولان: هو هو، واذا بلغ فشأنك به والرجل لا يتكلم، فوصف أبو طالب مقالته هذه لبعض اهل العلم، فلما نظر الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: هذه الروح الطيبة، هذا والله النبي المنتظر؟
فقال أبو طالب: فاكتم على ابن اخي ولا تغري به قومه، فوالله ان قلت ما قلت، لَعَلِّي ما قلت، ولقد انبأني عبد المطلب انه النبي المبعوث، وأمرني أن استر ذلك كيلا تُغْرَى به الاعادي» (69).
ومن هذه المداليل اتخذ أبو طالب قرارا عقلانيا يتناسب مع وعيه الديني في التفكير الموضوعي في حزم امره، وقوة ارادته ومجاهدة نفسه لمواصلة المسيرة في الوقوف بجانب ابن أخيه ومساندته ومؤازرته وحمايته ومواجهة اعداء الرسالة في مجتمع تسوده النزعات والزعامات واختلاف الاديان.
فلما بعث ابن أخيه نبيا ورسولا وداعيا الى الخير ومبشرا ونذيرا لهداية الناس الى دين الحق، ونبذ العبادات من دون الله، كانت الدعوة في بدايتها سرية لمدة ثلاث سنين من مبعثه الشريف ثم امره الله ان يصدع بما جاء به، وان ينادي الناس بأمره(70)، وكان الامر موجهاً أولاً الى عشيرته الاقربين(71).
فكان لأبي طالب الاثر البارز في ارساء دعائم قيادة الا يمان في الاجتماع الذي دعا اليه الرسول(صلى الله عليه وآله) الذي عين فيه علي بن أبي طالب وصيه وخليفته من بعده، فنهض القوم وهم يقولون:
«قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع» (72)، فقال أبو طالب مخاطبا النبي(صلى الله عليه وآله) يسكن جأشه ويطلب منه اظهار دعوته:
{من البسيط}
ان ما يدل على ايمان أبي طالب وانعقاد قلبه بالاسلام تشجيعه لابن أخيه (صلى الله عليه وآله) في دعوته، وفداء نفسه دونه، ومعاضدته في معانقة كفه بكف النبي، وادل من ذلك ترغيب اولاده علي وجعفر لمؤازرة ابن عمهما محمد (صلى الله عليه وآله)، فذكر انه «قال لعلي: أي بُنَي، ما هذا الدين الذي انت عليه؟ فقال: يا ابتِ آمنت بالله وبرسول الله، وصدقته بما جاء به، وصلَّيت معه لله واتبعته....قال {أبو طالب} له: اما إنه لم يَدْعك إلّا الى خيرٍ فالزُمه» (74) وانشد:
{من الكامل}
وأمر أبو طالب ابنه جعفراً أن يصلي مع النبي عندما كانا مارين في طريقهما ورأى النبي(صلى الله عليه وآله) وعلياً (عليه السلام) يصلّيان، فقال أبو طالب لجعفر «صلْ جناح ابن عمِّك، فجاء جعفر فصلى مع النبي (صلى الله عليه وآله) فلما قضى صلاته قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا جعفر وصلت جناح ابن عمك إن الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة» (76)، فانشد أبوطالب مسرورا ً:
{من المنسرح}
ويحض أبو طالب أخاه حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) على اتباع دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصبر على طاعته، والثبات على دينه:
{من الطويل}
فليس أدل على ايمان أبي طالب من حثه ولديه: علياً وجعفراً (عليهما السلام) على مؤازرة ابن عمهما والصلاة معه، وحث اخيه حمزة على اتباع دين النبي، وسروره باسلامه، ثم تصريحه بنبوة ابن أخيه «لا اخذل النبي»، «وهذا النبي»، وهو يجود بنفسه دونه تارة، وتصريحه بلفظ رسول الله «فكن لرسول الله في الله ناصراً» طالباً من اخيه حمزة نصرة ابن أخيه ودينه تارة اخرى.
سبق ان قلنا ان النبي (صلى الله عليه وآله) انذر عشيرته الاقربين بعد تعيين ابن عمه علي بن أبي طالب اميرا ووصيا(79)، وبعد صعود النبي جبل الصفا واعلانه امام الملأ للنبأ العظيم(80)،فاحيطت قريش باخبار النبي ورسالته.
ساعدت هذه الاحداث الجديدة على نشوء مرحلة جديدة في مواجهة مشركي قريش، فوقف أبو طالب في صدارة هذه المواجهة؛ لاثبات دعائم الاسلام في المرحلة العلنية للدعوة، فكان يستقبل وفود بطون قريش، ويسمع لمطالبهم، وينقل رد النبي محمد(صلى الله عليه وآله) اليهم برفق وكلام جميل(81)، ثم يهون الامر على ابن أخيه قائلا: «امضِ على امرك وافعل ما احببت فوالله لا اسلمك لشيء ابدا» (82) ثم قال ابوطالب:
{من الكامل}
في هذا الشعر دليل على تصديق أبي طالب بالرسول واقراره بان دينه «خير اديان البرية» واعترافه بانه «ناصح» وقوله «صدقت»، وبما اجابه وامره «امض لأمرك ما عليك غضاضة»، المستمدة من دلالة ألفاظ التعبير القرآني «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ»(84)، وهذا اوضح شاهد على ايمانه برسول الله (صلى الله عليه وآله) التي بينتها ألفاظ شعره.
والبيت الاخير يوضح أن أبا طالب لم يصرح بإيمانه خوف الملامة والسُبَّة، وإلا لصار إسلامه ظاهراً بيّناً.
وقد علل الشيخ المفيد ذلك بقوله: «إنَّ أبا طالب رحمه الله لم يمتنع من الايمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) في الباطن والإقرار بحقه من طريق الديانة، وانما امتنع من اظهار ذلك لئلا تسفهه قريش وتذهب رئاسته ويخرج منها من كان متبعا له عن طاعته وتنخرق هيبته عندهم فلا يسمع له قول ولا يمثل له امر، فيحول ذلك بينه وبين مراده من نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولايتمكن من غرضه في الذب عنه فاستتر الايمان واظهر منه ما كان يمكنه اظهاره على وجه الاستصلاح ليصل بذلك الى بناء الاسلام وقوام الدعوة، واستقامة امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان في ذلك كمؤمني اهل الكهف الذين ابطنوا الايمان واظهروا ضده للتقية والاستصلاح فآتاهم الله اجرهم مرتين، والدليل على ما ذكرناه في امر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا الشعر بعينه:
ودعــوتني وزعمــتَ انــك نـــاصـــحٌ ولـقــــد صدقــتَ وكُنـــتَ ثَمَّ أميـــنا
فشهد بصدقه واعترف بنبوته واقر بنصحه وهذا محض الايمان» (85)، فهو يعلن ايمانه عندما يخاطب الرسول الكريم، ويخفي ايمانه عندما يخاطب رؤوس الشرك، وكان هذا الامر في بداية الدعوة الاسلامية.
وهكذا منع الله من قريش رسوله بعمه أبي طالب، واخذ أبو طالب على نفسه ارساء التأييد والحماية من بني هاشم وبني عبد المطلب، واعلان هذين البطنين حمايتهما لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحين «رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم وبني عبدالمطلب، دعاهم الى ما هو عليه من منع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوا الى ما دعاهم اليه من دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ما كان من أبي لهب وهو يحرض بني هاشم» (86) فقال أبو طالب:
{من السريع}
«فلما اجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب معه ورأى ان قد امتنع بهم وأن قريشا لن يعادوه معهم قال أبو طالب، وبادى قومه بالعداوة ونصب لهم الحرب» (88) فأنشد:
{من المتقارب}
والمتأمل لشعر أبي طالب في حث بني هاشم وعبد المطلب على نصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، واعلان حمايته له، والذود عنه، وتصريحه بلفظ «رسول المليك» يجد أن هذه مداليل كلها تنصُّ على ايمان أبي طالب بما جاء به ابن أخيه من الحق تبارك وتعالى، فالقطعة القافية كفيلة بصحة اسلام أبي طالب فذكر ان الخليفة المأمون العباسي حين سمعها قال: «اسلم أبو طالب والله بقوله... {الابيات} » (90).
وكان أبو طالب في غاية الحنو فيما يحامي به رسول الله (صلى الله عليه وآله) واصحابه كما يتبين ذلك في صنائعه وسجاياه، فقد تألب الملأ من قريش على رسول الله واصحابه، واجتمعوا بعمه أبي طالب وعرضوا عليه عمارة بن الوليد بن المغيرة ان يكون ابنا له ويترك ابن أخيه محمدا لهم، ليقتلوه بعد شكواهم منه بانه سفه احلامهم وسب آلهتهم(91).
فقال أبو طالب «والله بئس ما تسومونني! أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون ابدا... فقال المُطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قُصي: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص مما تكرهه، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا، فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني ولكنّك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم عليّ، فاصنع ما بدا لك،... فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القومُ، وبادى بعضهم بعضا، فقال أبو طالب عند ذلك ـ يعرض بالمطعم بن عدي ـ ويعم من خذله من بني عبد مناف، ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه، وما تباعد من أمرهم» (92):
{من الطويل}
وعندما رأى أبو طالب من بني هاشم وعبد المطلب من جدهم معه، وأجابوه الى ما دعاهم اليه مدحهم وذكر قديم فضائلهم، وما وقفوا من الحدب والنصرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وذكر فضله فيهم، ومكانته منهم، ليشد بهم رأيهم فيه، وليحدبوا معه على امره(94)، فقال أبو طالب مادحا ومفاخرا:
{من الطويل}
وفي يوم طرقت مسامع أبي طالب خبر مقتل النبي (صلى الله عليه وآله)، فعزم على قتل سادات قريش، فلما حضر النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، اعلن أبو طالب تفاصيل خطته، فوقف «على اندية قريش، ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون،فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا، فاخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عمّا في أيديكم، فكشفوا، فاذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة، فقال: والله لو قتلتموه ما بقيت منكم احد حتى نتفانى نحن وانتم، فانكسر القوم» (96)، فأنشد:
{من المتقارب}
ولما مضى أبو طالب على أمره من خلاف قومه فيما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) اجتمعت قريش على عدوانه وخلافه، فبث أبو طالب مما طوته نفسه من الاحزان في اخر الليل بما يحلم به مشركو قريش من قتل النبي سفاهة وجهالة وظلما(98)، فتوعدهم بالحرب، وبذل نفسه وقومه دون النبي على آخرهم، ونصرته ومؤازرته والدفاع عنه فقال:
{من الطويل}
إنَّ جدَّ أبي طالب دون النبي محمد(صلى الله عليه وآله) ومؤازرته ونصرته وحمايته له، والاعتراف بنبوته وبما جاء من الهدى، وشهادته على ذلك وهو يصرح:
«وظُلمُ نبـيٍّ جـاءَ يـدعــــو الى الهُــدى وأمـرٍ أتـــى مـن عنــد ذي العَرشِ قيِّمِ»
وهذا القول دليل صريح على إيمانه.
ومن الشواهد التي يتبين منها حنو أبي طالب على ابن أخيه النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وحبه له، وشفقته عليه، وتفديته بنفسه، وتصديقه به فيما يروى أن قريشا لما رأت ان رسول الله(صلى الله عليه وآله) لايعبأ بمعارضتهم اياه، انكروا عليه عيبه لآلهتهم، فطفق المشركون يضطهدونه، ومن يؤازره من المسلمين وكانوا يوكّلون به صبيانهم وعبيدهم، فيلقونه بما لايجب، ومن ذلك ان عبد الله بن الزبعرى حمل السلى والفرث ووضعه على كتفي النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وظهره، وهو ساجد يصلي، فانصرف رسول الله الى عمه أبي طالب شاكيا له الامر، فخرج أبو طالب غاضبا لابن أخيه(100)، ومهددا سادات قريش من المشركين قائلا: «ورب هذه البنية لايقومن منكم احد إلا جللته بالسيف...ثم قال: يا محمد سألتني من انت، ثم انشأ يقول:يومىء بيده الى النبي (صلى الله عليه وآله) :
{من مجزوء الكامل}
ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فاشار النبي(صلى الله عليه وآله) الى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر فدعاه أبو طالب فوجأ انفه حتى ادماه، ثم امر بالفرث، والدم،فامرَّ على رؤوس الملأ كلهم، ثم قال: يا ابن اخ أرضيت؟. ثم قال: سألتني من انت؟ انت محمد بن عبد الله... انت والله أشرفهم حسبا وأرفعهم منصبا يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفونني» (101).
إن لجوء النبي محمد(صلى الله عليه وآله) الى عمه أبي طالب ؛ لانه هو الحامي والمؤازر والناصر له ولدينه،وهذا ما يتبين من غضبه وصولته وحميته لنبي الله ولدينه، فاشاد «انت النبي محمد» وبين عراقة ارومته، وهو يتصدى لسادات الشرك، فلا يردعه رادع عن الحق شيئا قائلا «انّى تضام ولم أمت»، فهو المتصدي لكل ما تتعرض له الرسالة، كما نلمح في النص سطوة أبي طالب وسيادته، وعظم قدره، وجلالة مكانته في قريش، لذلك لم يجرؤ أحد من قريش على مواجهته وهكذا اعز الله الاسلام ورسوله بناصر الدين أبي طالب.
ولما كان أبو طالب المجير لنبي الله، فهو مجير من اسلم من أصحاب النبي أيضا، فكان ممن دخل في جواره عثمان بن مظعون(102) وابو سلمة بن عبد الاسد(103).
فأما اجارة أبي طالب لعثمان بن مظعون فكانت بسبب إباء عثمان اجارة الوليد بن المغيرة، لما رأى ما في المسلمين من البلاء، وهو يروح ويغدو في امان الوليد، فردَّ عليه جواره، وحدثت مشاجرة بعد ذلك بينه وبين احد قريش، فلطمه في عينه، فأصابها(104)، فغضب أبو طالب لعثمان وقال:
{من البسيط}
إنَّ من إمارات صحة ايمان سيد البطحاء أبي طالب منعه للضيم الذي اصاب عثمان بن مظعون الصحابي فسرتها ابياته الشعرية في استذكاره ظلم مشركي قريش في الحاقهم الاذى به، والى من يدعو الى الدين الجديد وايمان أبي طالب بالانبياء والرسل وما نزل عليهم من الهدى ومنهم النبيين: موسى وذي النون 8 وبما أُنزل من القرآن المجيد من الاستقامة التي بينتها آيات ياسين وبما استمده من التعبير القرآني من لفظ ودلالة وضمنها في شعره نحو قول الحق تبارك وتعالى «... إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً»(106)، وقوله «قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ...»(107) التي تقرع اسماع المسلمين لكي يزدادوا هدىً وغير المسلمين ليهتدوا الى الحق فهذه مداليل كلها على صحة عقيدة أبي طالب.
وعندما رأى ابو سلمة عبد الله المخزومي تعذيب مشركي قريش وما أرادوا ان يفتنوه عن دينه، فلم ير مفزعا له سوى خاله أبي طالب يستجير به، فمشى اليه نفر من رجال بني مخزوم، فقال احدهم: «يا أبا طالب، لقد منعت منّا ابن أخيك محمداً، فما لك ولصاحبنا تمنعُه منا؟ قال: انه استجار بي، وهو ابن أختي، وإنْ أنا لم امنع ابن أختي لم امنع ابن أخي» (108).وهكذا كان عميد بني هاشم وعبد المطلب وليا ً وناصراً لرسول الله وأصحابه.
وإزاء تعذيب المشركين للمسلمين واضطهادهم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحث اصحابه الصبر على تحمل الاذى ورباطة الجأش على الصمود حتى يأذن الله بنصره، وقد اذن الرسول لأتباعه بالهجرة الى الحبشة، لتوافر الامن والحماية لهم في ظل ملك الحبشة وايد أبو طالب رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسانده، فبعث ابياتا شعرية لنجاشي الحبشة يحثه على اكرام المهاجرين المضطهدين والدفاع عنهم(109)، فقال:
{من الطويل}
وما كان أبو طالب يطلب من النجاشي هذا الامر إلا لانه ذو سمعة وشرف ومكانة يعلم بها النجاشي، وعندما وصلت هذه الابيات الى النجاشي احسن جوار المهاجرين، واجاد في ضيافتهم، مما اغرى أبا طالب ان يبعث برسالة اخرى يدعو فيها النجاشي الى الدخول في الدين الاسلامي الذي جاء به رسول الهدى فقال:
{من الطويل}
ولا يخفى أن ما يصدر من شيخ البطحاء أبي طالب من النصرة لنبي الله، واظهار دينه في دعوة النجاشي الى التوحيد، وحماية اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،وعلمه برسالات السماء وما نزل فيها مداليل كلها على ايمان أبي طالب بالله رباً وبمحمد نبياً ورسولاً، وبالاسلام دينا، وأن شعر أبي طالب كان له اثره البالغ في نفس النجاشي، فاسلم على اثره، وحسن اسلامه(112)، وبعد فشل مشركي قريش في اطفاء نور الاسلام، ثارت حفيظتهم حقدا ونارا ضد الدعوة وصاحبها، فاجتمع رؤوساء الشرك وعزموا رأيهم إن لم يخلِ أبو طالب بين قريش وابن أخيه، فعلى بطون قريش ان تقاطع بني هاشم وبني عبد المطلب، ولما كان أبو طالب مؤمنا بدعوة ابن أخيه، فانه لم يستجب لمطالبهم، ولم يعبأ بارائهم، وانما اصرَّ على اعلان حمايته بنفسه، فلما رأت قريش رد أبي طالب، وأن اصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد نزلوا الحبشة واصابوا بها امناً وسلاماً وقراراً في ظل ملكها النجاشي، وفشى الاسلام في القبائل، تحالفوا على مقاطعة بني هاشم في الشعب إلا اذا دفعوا اليهم نبي الله (صلى الله عليه وآله) .
فجمع أبو طالب قومه من بني هاشم وعبد المطلب، وامرهم ان يدخلوا رسول الله شعبه، وأن يمنعوه ممن ارادوا قتله، فاجتمع على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله ايمانا ويقينا ومنهم من فعله حمية(113)، واعلن أبو طالب امام بطون قريش بانها اذا قتلت محمدا فان الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون حتى الفناء، وقال يمدح النبي وينذر قومه عاقبة عدوانهم، ويحذرهم الحرب، وقطع صلة الرحم، وينهاهم عن اتباع السفهاء، ويعلمهم استمراره في مؤازرة النبي(صلى الله عليه وآله) وينبههم على فضله، ويضرب لهم المثل بناقة صالح، ويذكر امر الصحيفة، فقال:
{ من الطويل}
والأبيات افصح من أن نعلق عليها في ايمان سيد بني هاشم وعبد المطلب، فيقين أبي طالب أن محمدا نبيٌّ كموسى خط في اول الكتب، وايمانه بكتاب الله المنزل على نبيه موسى (عليه السلام)، وقوله: «ولا خير ممن خصه الله بالحب» أي بما اختار محمد واصطفاه بالنبوة(صلى الله عليه وآله) .
وبلغت عناية أبي طالب للنبي وحبه اياه أن يبذل نفسه واولاده واخوته وبني عمه دونه لحمايته وفي سبيل تقويم دينه، فاذا اضطجع ابن أخيه على فراشه، يأمر ابنه علياً ان يأخذ مكانه، خشية على حياة النبي من اعدائه(115)، وفي ذلك قال أبو طالب:
{من الخفيف}
وهكذا استمر الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنين، ودخل الاسلام مرحلة جديدة من الكفاح والامتحان، وحين اشتد العسر والاذى جاء الفرج ودخل النصر الالهي فارسل الله حشرة الارضة على الصحيفة، فاكلت منها ما كتب فيها عدا ما كان فيها اسم الله، وتلقى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هذا النصر والمعجزة الدامغة على صدق نبوته، وتأييد الله له، فاخبر عمه أبا طالب وما حدث للصحيفة الظالمة، وهو لايشك في قوله، فتوجه أبو طالب والنبي وبنو هاشم الى البيت الحرام؛ ليحدثوا مشركي قريش بما أُخبر به رب العزة؛ وليؤكدوا لهم بدليل اخر نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) واطلاعه على الغيب، فاجتمع الملأ من قريش، فقال لهم أبو طالب: «إن ابن أخي أخبرني أن الله أرسل على صحيفتكم الأرضة فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم وتركت اسم الله تعالى، فأحضروها فإن كان صادقا علمتم أنكم ظالمون لنا قاطعون لأرحامنا، وإن كان كاذبا علمنا أنكم على حق وأنا على باطل فقاموا سراعا وأحضروها فوجدوا الأمر كما قاله رسول الله، وقويت نفس أبي طالب واشتد صوته وقال قد تبين لكم أنكم أولى بالظلم والقطيعة فنكسوا رؤوسهم» (117) فقال أبو طالب في شأن الصحيفة وما فيها من ظلم وقطيعة رحم :
{من الطويل}
إنَّ أبا طالب كان الدعامة الاساس، والقوى المؤثرة في توجيه مسار احداث الرسالة في نصرة صاحب الرسالة ومحاماته، بكل ما أوتي من قوة وعقيدة صحيحة افصحت عنها ابياته الشعرية، وهو يستنكر فعل طغاة الشرك في معاداة رسول الهدى(صلى الله عليه وآله) مخاطبا اياهم «وما ذنب من يدعو الى البرِّ والتُّقى»، وتصديقه الطافح بالايمان بما جاء به «فامسى ابن عبد الله فينا مصدقاً» فيما مضى والآن، وعلمه بغيب السماء، ومصدقاً بمعجزة الصحيفة:
«يمينــا صـدقنــا الله فيـهـــا ولم نكــن لنحلــف بُطــلا بالعتـيــــق المُحجَّـب»
ولهذا يجدد عهده له وللأسماع بأنه ماضٍ على نصرة نبي الله حتى فناء آخر واحد من قومه:
«نفـــارقُهُ حــتــى نُصــرَّع حـــولـــه ومــا بــال تكذيب النبــي المـقـــرَّب»
وهو مؤكد نبوته.
وعاد أبو طالب ومن معه الى مكة بعد انتهاء الحصار في شعب أبي طالب وفرج الله عن المسلمين والحامين لرسوله الكريم.
وبقي شيخ البطحاء و سيدها وعميد الهاشميين والمطلبيين والناصر لدين الله ورسوله يحضُّ على نصرة رسول الله في كلِّ وقت وعلى مساعدته في كل حين لكسب الصفوف الى جانبه، وبقي ناصرا قولا وفعلا حتى الساعات الاخيرة من عمره وهو يصرح بوصيته الى ابنائه واخوته تارة ولوجهاء قريش تارة اخرى.
فمن وصاياه الخاصة وصيته لولده طالب بمؤازرة ابن عمه النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فقال:
{من الكامل}
وقال يوصي وَلَدَه واخوتَه بنصرة النبي (صلى الله عليه وآله) :
{من البسيط}
إنَّ وصية أبي طالب لاولاده طالب وعلي وجعفر واخويه حمزة والعباس (رضي الله عنهم) تعطي صورة واضحة عن ايمانه برسالة ابن أخيه، فلا شك في أن أبا طالب كان الركن الاساس لبنية الدعوة الاسلامية، ينظر بعين الرجل الخبير الفاحص بان النجاح والنصر حليف هذه الدعوة، وهو يصرح بوصيته العامة لاولاده واخوته وعشيرته واحلافه: فقال: «...أوصيكم بمحمّد خيراً، فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاء بأمرٍ قبله الجَنَانُ وأنكره الِّلسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل البر في الأطراف والمستضعفين من الناس أجابوا دعوته، وصدقوا كلمتَه وعظموا أمره، فخاض بهم غَمَرات الموت فصارت رؤوساء قريش وصناديدهم أذناباً ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً وإذا أعظُمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد مَحَضَتْه العرب ودادَها، وأصْفَتْ له فؤادها، وأعطته قيادَها دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم، كونوا له ولاةً ولحزبه حُماةً والله لا يسلك أحد منكم سبيله، إلا رَشَد ولايأخذ أحد بِهدْيهِ إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة ولأجلي تأخير، لكففت الهَزَاهز، ولدافعتُ عنه الدَّواهي» (121) .
في هذه الوصية أرجأ أبو طالب «تصديقه باللسان الى هذه الاونة التي يأس فيها عن الحياة حذار شنآن قومه المستتبع لانثيالهم عنه، المؤدِّي الى ضعف المُنَّة وتفكك القوة فلا يتسنى له حينئذ الذبُّ عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وان كان الايمان به مستقرا في الجنان من اوَّل يومه لكنه لما شعر بأزوف الاجل وفوت الغاية المذكورة ابدى ما اجنته اضالعه فأوصي بالنبي (صلى الله عليه وآله)» (122).
وما برح ابو طالب يوصي قومه بابن أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ففي اتباعه الخير والفلاح والرشاد(123) حتى توفي.
مات أبو طالب في السنة العاشرة للبعثة(124)، بعد ان كفل النبي وعضده ومنعه وقاوم رؤوس الشرك ضده، ووقف بجانبه زهاء اثنين واربعين عاما، وشَعَرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخسارة عمه، وفُقِد به نصيرا يفديه بنفسه واولاده، مدافعا عنه اذى قريش، وملجأ حصينا يلوذ به من المشركين المستبدين، فقال: «ما نالت مني قريش شيئاً اكرهه حتى مات أبو طالب» (125).
إنَّ شعور الحزن الذي غزا قلب رسول الله بوفاة عمه تفسره اواصر اسباب الخير بين رسول الله وعمه الناصر لدين الله وإلا فان رسول الله واثق من نصرة رسالته مهما تألب عليه اعداؤها.
وما تقدم يتبين: إن الصلة الحميمة بين أبي طالب وابن أخيه غذت قريحته بقول الشعر في الاسلام، وأملت عليه لوناً جديداً لم يكن معهوداً من قبله وهو شعر نصرة الدعوة الاسلامية وصاحبها.
***
الهوامش:
(1) ظ: الكامل في التاريخ: 2/13 ،تاريخ ابن خلدون: 2/335 .
(2) ظ: ادارة مكة قبل الاسلام (بحث): 151- 157.
(3) تاريخ اليعقوبي: 1/217.
(4 ) تاريخ اليعقوبي:1/ 206.
(5 ) ظ: الكامل في التاريخ: 2/10 .
(6 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/142.
(7 ) الطبقات الكبرى: 1/85.
(8 ) السيرة النبوية لابن كثير: 1/167- 174 ، (ذكر تجديد حفر زمزم).
(9 ) تاريخ اليعقوبي: 1/214.
(10 ) انساب الاشراف: 1/84.
(11 ) ظ: بلوغ المآرب في نجاة ابائه (صلى الله عليه وآله) وعمه أبو طالب: 129- 132.
(12 ) تاريخ اليعقوبي: 2/8.
(13 ) م.ن: 2/10، ظ: الكافي: 1/ 446- 447.
(14 ) السيرة النبوية لابن كثير: 1/103.
(15 ) الديوان: 94 ، القتار: دخان الطعام المطبوخ.
(16 ) فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت الرسول(صلى الله عليه وآله) من النساء، وأسلمت بعد عشرة من المسلمين، وهاجرت الى المدينة، وماتت في دار الهجرة، وألبسها رسول الله قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: مارأيناك صنعت ما صنعت بهذه المرأة فقال:«إنه لم يكن بعد أبي طالب أبرَّ منها، إني انما ألبستها قميصي لتُكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها في قبرها ليُهوَّن عليها»، ظ: مقاتل الطالبيين : 27- 29، الاستيعاب في معرفة الاصحاب: 4/382 ،الاصابة في تمييز الصحابة: 4/380
(17 ) كان طالبُ عالما بانساب العرب وايام قريش أخرجه المشركون الى بدر مكرها، فلما انهزم المشركون، لم يعثر عليه لا في القتلى ولا في الأسرى، ولم يرجع الى مكة، ولم يعرف ما حاله ، وليس له عقب،ظ: الطبقات الكبرى: 1/121، تذكرة الخواص: 13- 14 ، عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب: 31
(18 ) ظ: المعارف: 203.
(19 ) ظ: المحبر: 132- 133، 164- 165، شرح نهج البلاغة: 1/29.
(20 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/142، تاريخ اليعقوبي: 1/210- 216 ،220.
(21 ) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/10 ، شرح نهج البلاغة: 1/29.
(22 ) ظ: الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 1/321.
(23 ) المعارف: 575.
(24 ) ظ: أنساب الاشراف: 1/57 ، الكامل في التاريخ: 2/14.
(25 ) شرح نهج البلاغة: 15/219 ، ظ: المحبر: 337 (مفهوم القسامة) ،صحيح البخاري: 2/932 ، رقم الحديث:3845 (القسامة في الجاهلية).
(26 ) أكثم بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية التميمي، احد حكماء العرب في الجاهلية ومن المعمرين، ادرك الاسلام وقصد المدينة عام9هـ فمات في الطريق،ظ: جمهرة انساب العرب: 1/210.
(27 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 334.
(28 ) ظ: ليالي بيشاور: 914- 915 ، أبو طالب شيخ الابطح ـ حسين الشاكري: 22- 28 .
(29 ) شرح نهج البلاغة: 4/63.
(30 ) ظ: شرح نهج البلاغة: 11/ 45 ، ظ: تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي: 111- 112.
(31 ) شرح نهج البلاغة: 4/57 .
(32 ) ظ: م.ن: 11/44.
(33 ) ظ: تاريخ الاسلام الثقافي والسياسي: 112.
(34 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/268 .
(35 ) الديوان: 107، تمالوا: تمالؤوا (مخففة): أي اجتمعوا وتشاوروا، العلجة: مذكرها العلج، وهو الكافر من أهل الروم.
(36 ) ظ: م.ن: 107.
(37 ) ظ: تدوين السيرة النبوية ودراستها (بحث): 360 .
(38 ) ظ: الفصل الاول (توثيق شعر أبي طالب) في الاطروحة: 45- 48، والفصل الرابع :155، مزيد من التفاصيل.
(39 ) ظ: الديوان: 115.
(40 ) الديوان: 116.
(41 ) جاء في كتاب النكت الاعتقادية ووسائل اخرى (إيمان أبي طالب) : 5- 13، سردا باسماء الكتب المؤلفة في ايمان أبي طالب وفضائله والرد على ما لفق من حديث التكفير بلغ عددها سبعة وثلاثين كتابا، وفي كتاب مواهب الواهب في فضائل والد أميرالمؤمنين أبي طالب (عليه السلام):12- 19، ذكر المحقق ما ألِّف من الكتب بهذا الامر في اللغة العربية والفارسية والتركية والاردية، فضم الثبت الذي عمله واحدا وسبعين مؤلفا من كتاب وديوان وبحث.
واستدركتُ على ما لم يذكر في الكتابين المذكورين آنفا مما ظفرت من المظان القديمة والحديثة بين طياتها، او في كتاب مستقل، او ما جاء في دراسات منشورة في مجلات علمية بثلاثين مرجعا،ظ: الملحق رقم (واحد) في الاطروحة.
(42 ) ظ: الطبقات الكبرى: 1/ 118.
(43 ) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/10.
(44 ) الطبقات الكبرى: 1/ 119.
(45 ) الديوان: 130.
(46 ) م.ن: 83.
(47 ) م.ن: 164- 165 .
(48 ) م.ن : 166.
(49 ) ظ: دلائل النبوة لابي نعيم: 32- 52، البشارات والمقارنات: 1/139- 146، 162- 165، اهل البيت (عليهم السلام) في الكتاب المقدس: 71- 100 .
(50 ) ظ: الانوار المحمدية من المواهب اللدنيّة: 13- 23.
(51 ) ظ: الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 1/250.
(52 ) الطبقات الكبرى: 1/118.
(53 ) إعلام الورى بأعلام الهدى: 14.
(54) ظ: الخصائص الكبرى: 1/86.
(55 ) الديوان: 75.
(56 ) شرح نهج البلاغة: 14/63 ،ظ: الديوان: 214- 215، والعيطل: الطويلة العنق ولكن في حسن.
(57 ) ظ: السيرة النبوية والاثار المحمدية: 1/125.
(58 ) ظ: البدء والتاريخ: 4/134.
(59 ) ظ: التاريخ الكبير: 1/270- 271.
(60 ) الديوان: 166- 167 ، بحيرا: واسمه جرجيس، وقيل: سرجيس من عبد القيس انتهى اليه علم النصرانية، وقيل حبر من احبار تيماء، ابتنى له صومعة على طريق القوافل، يدعو اهلها الى التوحيد، وكان من المترقبين لبعثة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ظ: الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام:1/205- 206 ، شرح المواهب اللدنيّة: 1/194 ، السيرة النبوية انسان العيون في سيرة الأمين والمأمون: 1/131.
(61 ) ظ: امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 1/15.
(62 ) ظ: السيرة النبوية والاثار المحمدية: 1/92.
(63 ) الطبقات الكبرى: 1/121.
(64 ) ظ: الطبقات الكبرى: 1/168 ، امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 4/99، السيرة النبوية انسان العيون في سيرة الامين والمأمون: 1/128،السيرة النبوية والاثار المحمدية: 1/92.
(65 ) ظ: صفة الصفوة: 1/ 37- 38 ، تذكرة الخواص: 9، الخصائص الكبرى: 1/142 ، ذو المجاز: سوق كان لهم على فرسخ من عرفة بناحية كبكب،ظ: معجم البلدان: 5/56 .
(66 ) ظ: الخصائص الكبرى: 1/124.
(67 ) تاريخ اليعقوبي: 1/ 14، ظ: اعجاز القرآن: 234، صفة الصفوة: 1/37.
(68 ) ظ: السيرة النبوية لابن كثير: 1/ 286- 313.
(69 ) امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع:4/101، ظ:تاريخ الخميس في احوال انفس نفيس: 1/ 261.
(70 ) الحِجر/94 .
(71 ) الشعراء/214.
(72 ) الكامل في التاريخ: 2/ 42 ، السيرة النبوية لابن كثير: 1/ 459 .
(73 ) الديوان: 208 ، الآتآب: الاستحياء.
(74 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/247 ، ظ: الاصابة في تمييز الصحابة: 4/116 .
(75 ) الديوان: 170.
(76 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 250.
(77 ) الديوان: 171- 172 .
(78 ) م.ن: 253- 254، عجز البيت الاول غير مستقيم.
(79 ) ظ: كفاية الطالب في مناقب أبي طالب: 205- 206 .
(80 ) ظ: تاريخ الرسل والملوك: 2/ 319 .
(81 ) ظ: السير والمغازي: 147- 148 .
(82 ) البداية والنهاية في التاريخ: 3/ 42.
(83 ) الديوان: 189 .
(84 ) الحِجر/ 94 .
(85 ) الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 285- 286 ، ظ: شرح نهج البلاغة: 14/ 70، الديوان: 189، اختلاف رواية البيت الثالث «... فلقد صدقتَ وكُنتَ قبلُ أميناً».
(86 ) السير والمغازي: 148.
(87 ) الديوان: 109- 110، في الاصل (هاشما) ،الترك: مفردها التريكة، وهي بيضة الحديد التي يضعها المحارب على رأسه، الرعلة: القطعة القليلة من الخيل او طليعتها، المقصال: السيف القاطع، المسبل: صفة للفرس المسبل الذيل، حديد خمس: القوي من الخيل والخمس منها: الطرف والقلب والاذن والكعب والوظيف (ما فوق الرسغ) ، الِهز: الضامر، اللهب: الغبار المثار، التزليق: تنحيف الجواد وتضعيفه، المجدل: القصر، القسطل: غبار الحرب.
(88 ) السير والمغازي: 148- 149 .
(89 ) الديوان: 111- 112 ، النِّهاب: الغنائم، والخنفقيق: الداهية، البِكار: مفردها البكرة وهي الانثى من الابل، الفنيق: الفحل المكرم عنه اهله، الغيل: عرين الاسد.
(90 ) شرح نهج البلاغة: 14/ 74.
(91 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/267، تاريخ الاسلام وطبقات المشاهير والاعلام: 1/87- 88 ،البداية والنهاية في التاريخ: 3/47.
(92 ) م.ن : السابقة الذكر.
(93 ) الديوان: 186- 187 ، الحبحاب: الصغير ، الوبر: الدابة، شفر: أي احد، الرَّسُّ: الذَّكرُ الخفيُّ، عبدشمس ونوفل: اخوان لهاشم بن عبدمناف عميد النسب النبوي ولذلك قال أبوطالب (اخوينا من ابينا وامنا) ، ظ: انساب الاشراف: 1/61 ، والوليد بن المغيرة من بني مخزوم، وتيم بن مرة بن كعب ومخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، وزهرة بن كلاب بن مرة بن كعب لؤي بن غالب بن فهر وهذه البطون الثلاثة من قريش تدخل في عمود النسب النبوي أيضاً ،ظ: جمهرة انساب العرب: 2/464 .
(94 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام :1/269 ، البداية والنهاية في التاريخ: 3/49 .
(95 ) ديوان أبي طالب: 113- 114 ، ملأرض: لهجة عربية تدمج من الجارة بمجرورها.
(96 ) الطبقات الكبرى: 1/203.
(97 ) الديوان: 116 ،صدود العوالي: سنة الرماح، العصب: الجماعة، تمزع: تسرع وتعدو عدوا خفيفا، العنيق: اشد السير، الخبب: ضرب من العدو.
(98 ) م.ن : 216 .
(99 ) الديوان:216- 217، الوشيج: شجر الرماح، الحطيم: جدار حجر مكة، بني فهر: قريش.
(100 ) ظ: تاريخ اليعقوبي: 2/17 ، ثمرات الاوراق في المحاضرات: 2/ 3- 4.
(101 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 347- 348، الابيات في الديوان: 333.
(102 ) عثمان بن مظعون: ابو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافه بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، اسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر الى المدينة، توفى في السنة الثانية للهجرة ودفن في المدينة بالبقيع،ظ: الاستيعاب في معرفة الاصحاب : 3/ 85، وأسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/589، والاصابة في تمييز الصحابة: 2/464 .
(103 ) ابو سلمة : عبد الله بن الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم من السابقين الاولين الى الاسلام، واخ النبي (صلى الله عليه وآله) بالرضاعة، وابن عمته برة بنت عبد المطلب، مات في المدينة بعد معركة بدر، ظ: التبيين في انساب القريشيين: 341، ، وأسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/295، والاصابة في تمييز الصحابة: 2/335
(104 ) ظ: السيرة النبوية لابن كثير: 2/60- 61،البداية والنهاية في التاريخ: 3/ 92- 93.
(105 ) الديوان (التونجي) : 94- 95 .
(106 ) الجن/ 1.
(107 ) الزمر/ 28.
(108 ) السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 15 ، البداية والنهاية في التاريخ: 3/ 93.
(109 ) ظ: السير والمغازي: 221.
(110 ) الديوان: 247 ، جعفر بن أبي طالب، وزيد بن الحارثة، المصاقب: المجاور.
(111 ) م.ن : 259، في البيت الثاني إقواء.
(112 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/341.
(113 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام : 1/ 350- 351 ، البدء والتاريخ: 4/153، وامتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع: 1/ 43- 44.
(114 ) الديوان: 211- 213 ، السقب: ولد الناقة، أترَّت: قطعت، القساسية: سيوف تنسب الى جبل قساس في ارمينية، الحفائظ: مفردها الحفيظة وهي الحمية والغضب لما يلزم ذلك.
(115 ) ظ: البداية والنهاية في التاريخ: 3/84.
(116 ) الديوان: 220- 221 .
(117 ) الكامل في التاريخ: 2/61 .
(118 ) الديوان: 229- 230 ، رأب: اصلاح الفساد، تخذي: تسرع، الطلائح: الهزيل، جنبا نخلة: واديان قرب مكة، ظ: معجم البلدان: 5/277 ، المُحصَّب: موضع رمي الجمار بمنى، معجم البلدان: 5/62.
(119 ) الديوان: 340.
(120 ) م.ن: 246.
(121 ) الرّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/227، ظ: ثمرات الاوراق في المحاضرات: 2/14- 15 ، بحار الانوار: 35/ 90، الشنآن: البغض، الهزاهر: الفتن.
(122 ) الغدير في الكتاب والسنة والادب: 7/368 .
(123 ) ظ: الطبقات الكبرى: 1/123، الخصائص الكبرى: 1/87 .
(124 ) ظ: انساب الاشراف: 1/ 236 .
(125 ) السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 46 .
------------------------------------
مصادر شعره وتوثيقه
النَّحْلُ والوضع في الشعر
اقترنت ظاهرة الشك بقضية الوضع والنحل، وهي من الظواهر العامة التي عرفها تراثنا الشعري في الحقب التأريخية المختلفة قبل الاسلام وبعده مع تباين في درجة وجودها تبعا لاختلاف العوامل والظروف التي أدت الى ظهورها، وهي ليست ظاهرة في الادب العربي فحسب، وانما وجدت في آداب الأمم الاخرى التي لها نتاج أدبي(1)، ان مرد شيوع هذه الظاهرة في ادبنا العربي القديم يعود الى الوضع القبلي الواضح في نحل الاشعار، والرواة الوضّاعين(2)، والرواية الشفوية، وعدم التدوين والبعد الزمني الذي قطعه هذا النتاج الضخم من التراث الادبي، واختلاف الاجيال التي تناقلته بوسائلها المتنوعة.
فظاهرة الوضع والانتحال في الشعر ظاهرة طبيعية ليس بوسع المرء ان ينكرها، وأمرها ليس خافيا على الدارسين(3) للشعر العربي ولاسيما القديم، فقد نبّهوا عليها، ووقفوا امام الاشعار، وعقّبوا عليها بالنقد تارة، وبالتحقيق تارة اخرى، وأبدوا رأيهم في الاشعار التي ارتابوا فيها، واذا كانت هناك بعض الاشعار موضع الشك في صحتها ، ونحلها، فهي لاتقاس على الكم الكبير الاشعار السليمة، فهي لا تشكل خطرا يجعل الدارسين يعزفون عن دراستها.
وقد يتفرع من ظاهرة النحل والوضع، ظاهرة اخرى وهي الخلط والتداخل في الاشعار المتنازعة النسبة الى قائليها، لمشابهة الموضوع الذي قيلت فيه ومناسبتها، وتشابه الوزن والقافية لقصيدة، او مقطوعة لشاعرين مختلفين، ولتضمين احد الشعراء شعر غيره الى غير ذلك من هذه الامور، وهذا لايخل في صحة الاشعار واصالتها، وهي اشعار سليمة صدرت من افواه قائليها من الشعراء.
واذا كانت قضية النحل والوضع، وما يتفرع منها من خلط للاشعار وتداخلها في الشعر الجاهلي والاسلامي قد شغلت الباحثين من العرب والمستشرقين ـ الذين سنتطرق اليهم بالدراسة ـفان شعر أبي طالب نال حظّاً من عنايتهم في إطار بحثهم هذه القضية المرتبطة بشعر سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي له مزية خاصة تحمل ملامح التطور والتغير والتجدد في الشعر على المستويين: الموضوع والفن، فحريٌّ بالبحث ان يناقش هذه الظاهرة من خلال دراسة مصادر شعر أبي طالب وتوثيقه.
ديوان أبي طالب:
إن رواية الشعر اصل قائم بذاته، وجدت عند العرب قبل الاسلام، فكان العلماء المعنيون برواية الشعر والاخبار قبل الاسلام وممن ادرك الاسلام يأخذون علمهم ممن تقدمهم أو عاصرهم(4)، وتومىء الاخبار والروايات الى ان أهل بيت أبي طالب واصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانوا يتناقلون شعر أبي طالب بعد وفاته، فكانوا يحملون شعره ويروونه استجابة للروح الجهادية لمرحلة عهد النبوة.
فقد روي في حديث الاستسقاء ، بعد أن استسقى الرسول (صلى الله عليه وآله) لاهل المدينة، قال « لله درُّ أبي طالب ! ...من يُنشِد قوله؟ فقام علي: فقال: يارسول الله ، لعلك أردت: «وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه»، قال: اجل، فأنشده ابياتا من هذه القصيدة» (5)، فالامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) راوٍ لشعر ابيه .
وتذاكر شعر أبي طالب أيضاً ابن أخيه عبيدة بن الحارث بن المطلب (ت2هـ) يوم بدر، فورد في السيرة النبوية لابن هشام (ت213هـ) ما نصّه : «لما أصيب رِجلُ عبيدة قال : أما والله لو ادرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني احق منه بما قال حين يقول:
{من الطويل}
وهذان البيتان في قصيدة أبي طالب» (6).
ومما ساعد على رواية شعره أنه كان يوثق السيرة النبوية اذ اورد في هذا الشعر ما واجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فجر الدعوة الاسلامية حتى ساعة احتضاره، فمدحت السيدة فاطمة ابنته (عليها السلام) اباها بشعر أبي طالب، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا بنية هذا قول عمك أبي طالب» (7)، وهكذا استمرت رواية شعر أبي طالب في عهد الخلافة الراشدة، فقد روي النويري (ت 733هـ) في نهاية الارب في فنون الادب عن السيدة عائشة، قال : «لما حضرت ابا بكر الصديق رضي الله عنه الوفاةُ، قالت عائشة رضي الله عنها وهو يغمض: وأبيض يُستسقى الغمام بوجههِ.....{البيت} فنظر اليها وقال: ذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله)» (8).
وكان «ابن عُمَر يتمثل بشعر أبي طالب» (9)، وكذلك عبد الله بن عباس بن عبد المطلب(10).
إن الشواهد التي ذكرناها تدل على ان شعر أبي طالب كان يتناقل في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) ، وبعده شأنه شأن غيره من الشعر العربي حتى جاء عهد التدوين في نهاية القرن الاول، وبداية القرن الثاني للهجرة فجهد اصحاب السير والتاريخ في نقل شعر أبي طالب، لان حياة النبي (صلى الله عليه وآله) في سيرته كانت ملازمة لعمه أبي طالب، فجمع اصحاب السير اشعارا لا يُستهان بها، وكان ضمن هذه الرحلة العلمية رحلة علماء العربية الذين يتنقلون بين القبائل لينقلوا عنها اللغة والشعر ، ويجمعوا شعر شعراء القبائل، ولاهمية شعر أبي طالب تصدى لجمعه وتصحيحه وشرحه اثنان من العلماء وهما : أبو هفان المهزمي البصري (ت257هـ)، وعلي بن حمزة البصري التميمي (ت357هـ).
وقد اورد اصحاب المظان اشارات عنهما في صحة نسبة الديوان الى صانعيّه، ومنها ما رواه ابو العباس احمد بن علي النجاشي (ت450هـ) في رجاله عن ديوان أبي طالب صنعة أبي هفان، قال: «لعبد الله كتاب شعر أبي طالب بن عبد المطلب وأخباره» (11)، وعقب على ما ذكر من كتب أبي هفان ـ ومنها شعر أبي طالب ـ عن مؤلفها بسندين اثنين.
الأول: عن ابي احمد عبد السلام بن الحسين الاديب البصري (ت405هـ)(12) عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى بن سعيد المرزباني(ت384هـ)(13)، عن أبي احمد يحيى بن علي بن يحيى بن ابي منصور المنجِّم (ت300هـ)(14) عن ابيه (ت275هـ)(15) عن أبي هفان .
الثاني: عن ابي الحسن بن الجندي أحمد بن محمد بن عمران (ت396هـ)(16) عن محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسين الانباري النحوي اللغوي (ت328هـ)(17) عن أبي هفان(18).
وهذان السندان الجيدان المرفوعان عن أبي هفان من علماء رواة القرنين الثالث والرابع يوثقان شعر أبي طالب تماماً.
ومما يزيد في توثيقه ما أورده البغدادي (ت1093هـ) من أشارات ثلاث في خزانة الادب عن ديوان أبي طالب، ذكر الاولى عندما سرد الأصول والدواوين التي اعتمدها في تصنيف كتابه من دون ان يومىء الى اسم صانع الديوان، فذكر«ديوان أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله)» (19) فحسب، ويبدو ان البغدادي اعتمد في كتابه على ديوان أبي طالب ـ صنعة أبي هفان ـ نتبين هذا الامر من تعليقاته على احد قصائد أبي طالب في شرحها ، قال: «وقال أبو هفان: تُبالة عرضٌ من اعراض مكة... » (20) وقوله: «قال أبو هفان: المولى : ابن العم ... » (21).
والاشارة الثانية، خص بها صانع الديوان،فقال وهو يعلق على قصيدة أبي طالب النونية: «واما على رواية أبي هفان عبد الله بن احمد المهزمي، فإنَّ بعده ... {البيت}» (22).
واما الاشارة الثالثة، فذكر اسم صانع الديوان حمزة نقلا عن ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، قال: «قال ابن حجر: رأيت لعلي بن حمزة البصري جزءاً جمع فيه شعر أبي طالب»(23).
وقد وصلت هاتان الروايتان الينا، وقضية نسبتهما الى صانعهما من الامور المسلم بها لا تحتاج الى مزيد من البحث.
رواة الديوان:
سبق ان ذكرنا ان ديوان أبي طالب دوِّن بروايتين:
الاولى: حملت اسم صانعها «عبدالله بن احمد بن حرب بن مِهْزَم بن خالد» (24) المعروف بكنيته أبي هفان وهو «راوية عالم بالشعر والغريب» (25) و«من النحاة اللغويين الادباء» (26)، وهو «في جملة شعراء المحدثين وكان اخباريا راوية مصنفا» (27)، له سبعة مصنفات(28)، اخذ عن رواة عصره شعر أبي طالب(29)، ومنهم أبو عبيدة معمر بن المثنى(ت فيما بين سنتي 209ـ 213هـ) وعبدالملك بن قريب الاصمعي (ت216هـ) وعمه خالد بن حرب المهزمي(30)، وأبو محلم محمد بن سعد (ت248هـ).(31) .
اما الرواية الثانية: فحملت اسم صانعها الاديب اللغوي ابي القاسم علي بن حمزة البصري التميمي(32)، وهو من «اعيان اهل اللغة الفضلاء المتحققين العارفين بصحيحها من سقيمها» (33)، ذُكر له ثمانية مصنفات(34)، اخذ عن رواة عصره شعر أبي طالب(35)، ومنهم:
أبو رياش احمد بن ابراهيم القيسي (ت349هـ)(36)، وأبو بشر احمد بن ابراهيم بن معلى بن اسد (ت بعد 350هـ)(37)، وابو احمد عبد العزيز بن يحيى بن احمد بن عيسى الجلودي (ت 330هـ)(38)، وابو محمد هارون بن موسى التلعكبري (ت385هـ)(39).
جمع شعره:
قام بجمع شعر أبي طالب مجموعة من المعنيين بالدراسة مما وقع بأيديهم من شعره في عدد من الكتب المخطوطة والمطبوعة ، وكان مما ظفرنا به سبع نسخ من ديوان أبي طالب، او ما شابه هذا العنوان، تحمل بين طياتها تصحيح الديوان ، او جمع وشرح الديوان، او جمع وتحقيق، لمحققين عدة، وقد وقفنا على ذكر هذه النسخ واهم من حققها وعلق عليها، وهي على النحو الاتي بحسب سنة الطبع:
1 ـ ديوان شيخ الاباطح أبي طالب ـ جمع أبي هفان عبد الله بن احمد المهزمي رواية عفيف ابن اسعد عن عثمان بن جني (ت392 هـ)، صححه وعلق عليه العلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم طبع في مطبعة الحيدرية في النجف سنة 1356هـ ـ 1936م.
2 ـ غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) لجامعه وشارحه محمد خليل الخطيب طبع في مطابع طنطا في مصر سنة 1371هـ ـ 1951م.
3 ـ شعر أبي طالب واخباره والمستدرك عليه للاديب اللغوي أبي هفان عبدالله ابن احمد المهزمي، تحقيق قسم الدراسات الاسلامية، مؤسسة البعثة في قم ـ ايران سنة 1414هـ .
4 ـ ديوان أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) جمعه وشرحه الدكتور محمد التونجي الصادر عن دار الكتاب العربي في بيروت عام 1418هـ ـ 1998م.
5 ـ ديوان أبي طالب ـ صنعة أبي هفان، حققه الشيخ محمد حسن آل ياسين (د.ت).
6 ـ ديوان أبي طالب بن عبد المطلب لصانعه علي بن حمزة البصري التميمي، حققه الشيخ محمد حسن آل ياسين، في بغداد لسنة 1413هـ ـ 1992م.
7 ـ وقد جمع المحقق الشيخ محمد حسن آل ياسين النسختين المذكورتين في نسخة واحدة بعنوان ديوان أبي طالب بن عبد المطلب صنعة أبو هفان، وصنعة علي بن حمزة، الصادر عن دار الهلال للطباعة والنشر في بيروت لسنة 1421هـ ـ 2000م.
وهذه النسخ المذكورة جاءت بروايتين :
الأُولى: سمّى أبو هفان صدر نسخته «شعر أبي طالب عم الرسول (صلى الله عليه وآله)»، واحتوت هذه النسخة على ثلاثين نصا اقل هذه النصوص بيتان، واكثرها مائة واحد عشر بيتا، وضم الديوان اربعمائة وثلاثة وعشرين بيتا، وبيتين مكررين.
طبعت هذه الرواية بعنوان «ديوان شيخ الاباطح أبي طالب» صححه وعلق عليه السيد محمد صادق آل بحر العلوم في العراق بمطابع الحيدرية في النجف الاشرف لسنة 1356هـ ـ 1936م، في اربعين صفحة.
ثم أُعيد نشر رواية أبي هفان للديوان باسم «غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله)» لجامعه وشارحه: محمد خليل الخطيب، في مصر لسنة 1371هـ ـ 1951م، في مائة وخمس وثمانين صفحة، احتوى الديوان على ستة وخمسين نصا، وضم خمسمائة وثمانية وخمسين بيتا، أي بزيادة على النسخة التي نشرها السيد محمد صادق بحر العلوم بمائة وثلاثة وثلاثين بيتا، وقد اهتدى محمد خليل الخطيب، وصديقه السيد احمد صقر بدار الكتب المصرية الى قصائد لأبي طالب عم النبي لأبي هفان عن نسخة بخط ابي الفتح عثمان بن جني دوَّنها عنه محمد محمود الشنقيطي، فضلا عما عثر عليه من مظان اللغة والادب والسيّر، حتى تهيأ له الاستدراك على ما وجده في دار الكتب المصرية من شعر أبي طالب(40)، وصدَّر الديوان بالمقدمة التي ضمَّنها ترجمة عن الشاعر.
ثم صدرت هذه الرواية بعنوان «شعر أبي طالب واخباره والمستدرك عليه» لصانعه أبي هفان عن نسخة بخط ابي الفتح عثمان بن جني، حققه مجموعة من المحققين في قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة التابعة الى قم في ايران لسنة 1414هـ ـ 1992م، وقد اومأ المحققون(41) الى ان الطبعة نقلت عن رواية أبي هفان ونسخة ثانية بخط ابي الفتح عثمان بن جني وثالثة برواية علي بن حمزة التميمي، فضلا عن الطبعتين السابقتي الذكر، وهما: ديوان شيخ الاباطح أبي طالب، وغاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب.
ويبدو أن المحققين قد غضوا الطرف عن مقابلة الرواية التي ذُكرت لأبي هفان مع رواية علي بن حمزة، ولم يستدرك عليها شيئا اطلاقا(42)، بخلاف ما ذكروه في اعتمادها في مقدمة الديوان.
فقد فحصنا الديوان صنعة علي بن حمزة، فلم نعثر على النصوص المذكورة بأرقامها (27، 41، 42، 47) اما ما ورد في نصوص المستدرك فقد خُرِّجَتْ من المضان وليس من الرواية المذكورة.
وبلغ عدد ابيات الديوان خمسمائة وتسعين بيتا مع المستدرك، أي بزيادة اثنين وثلاثين بيتا عن الطبعة الثانية.
ووقف الدكتور محمد التونجي على هذه الرواية وصدَّرها بعنوان «ديوان أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله)» الصادر عن دار الكتاب العربي في بيروت لسنة 1418هـ ـ 1998م، فكان مجموع الديوان ستمائة وبيتين اثنين مع ما استدركه من ابيات لم تذكر في رواية أبي هفان(43)، وبلغ عددها مائةوتسعة وسبعين بيتا، وبزيادة على ما استدركته مؤسسة البعثة باثني عشر بيتا.
وكان الدافع لعمل الدكتور محمد التونجي ما سوغه من قول: «رأيت ان شعره متفرق بين كتب اللغة والنحو والادب، والتاريخ، ثم عثرت على كتاب (غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب) للشيخ الازهري محمد خليل الخطيب، فرأيته ضمَّ جزءا كبيرا من شعره إلا أن النقص بادٍ فيه، ثم ان الروايات تختلف كما أنَّ عرض الشعر الذي اتبعه الخطيب ينقصه المنهج العلميُّ ناهيكم عن أنَّه طُبع منذ حوالي خمسين سنة» (44).
وتكفل الدكتور محمد التونجي بذكر مقدمة بترجمة موجزة عن الشاعر، واورد الشعر المستدرك في ثنايا الديوان مع ترتيب حروف روي نسخة أبي هفان.
اما الرواية الثانية: فهي رواية علي بن حمزة التميمي فسمى صدر نسخته «ديوان جمع فيه شعر أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله)» احتوت هذه الرواية على اربعة وخمسين نصا اقل النصوص بيت واحد واكثرها مائة وخمسة عشر بيتا، وضم الديوان خمسمائة وثلاثة وتسعين بيتا، بزيادة على ابيات رواية أبي هفان مائة وثمانية وستين بيتا.
وقد وقف الشيخ محمد حسن آل ياسين على الروايتين المذكورتين ونشرهما، كل رواية مفصولة عن الاخرى بعنوان «ديوان أبي طالب بن عبد المطلب»، ثم ضم الروايتين الى بعضهما في كتاب واحد وبالعنوان نفسه على نحو اصل رواية أبي هفان، واصل رواية علي بن حمزة، وصدَّر المحقق الديوان بمقدمة طويلة تضم ترجمة عن الشاعر وترجمة عن صانعي الديوان واصفا منهجه في «تحرير النص وتصويبه واخراجه اقرب ما يكون الى اصل مؤلفه، بعيدا عن الشروح والتعليقات التفصيلية التي لا تدخل في صلب عملية التحقيق، باستثناء شرح بعض الكلمات الغريبة والمفردات الغامضة التي لم يفسرها الصانعان» (45).
وجعل المحقق لكل نص رقما خاصا به، ولكل بيت في النص مثل ذلك ، ثم ألحق في الديوان التخريجات لرواية علي بن حمزة مع الاشارة الى الاختلاف عن رواية أبي هفان، وبيَّن الاصل والمصادر الاخرى.
وبما أن المحقق الشيخ محمد حسن آل ياسين ضم رواية أبي هفان وعدد ابياتها اربعمائة وثلاثة وعشرون بيتا الى رواية علي بن حمزة وعدد ابياتها خمسمائة وثلاثة وتسعون بيتا، فكان عدد ابيات الروايتين ألفاً وستة عشر بيتا، فاذا حذفنا الابيات المشتركة بين الروايتين وعددها مائة وستة وسبعون بيتا، فإنه يبقى من الابيات ثمانمائة واربعون بيتا، واستدرك المحقق على الروايتين مائة وواحداً وعشرين بيتا، فكان مجموع ابيات الديوان تسعمائة وواحداً وستين بيتا وهذا الجهد عمل قيم لا يستهان به موازنة مع جهود سابقيه.
ويبدو أن المحقق لم يطَّلِع على نسختي الخطيب والتونجي، فلم يشر الى هاتين النسختين(46)؛ وبذلك كله لاحظنا أن هذا الديوان تضافرت على جمعه جهود كبيرة استعان اصحابها بما توافر لديهم من مصادر.
اما ما استدركته على الديوان فواحد وستون بيتا ومشطورا(47)، يخرج منها بيتان مذكوران في القصيدة القافية في الديوان ويضاف الى العدد اربعة ابيات ما استدركت عليه مؤسسة البعثة، وخمسة ابيات في نسخة محمد التونجي لم يذكرها محمد حسن آل ياسين، فيصبح شعر أبي طالب الذي ظفرنا به ألفاً وتسعة وعشرينَ بيتاً وشطراً.
ومع هذه الجهود كلها التي تضافرت في جمع شعر أبي طالب والاستدراك عليه، يبقى قسم منه ضائعا، فاذا كان العدد الاكبر يمثل شعره الديني، فلا بد من أن اشعاره في الاغراض الاخرى كثيرة، وان ما عُثر عليه من ابيات متفرقة من الكتب ما هي سوى اجزاء متفرقة من قصائد ضائعة، لا ريب في أنها كانت تامة فلم يبقَ منها إلا هذه الابيات المعدودة، وعسى ان تجود المظان التي لم تقع بين ايدينا والمظان غير المحققة بما يعثر الباحثون عليها لاعادة جمع شعر أبي طالب بصورة افضل مما سبق.
تعددت المصادر التي حملت الينا شعر أبي طالب نتيجة لتنوع موضوعاتها واتجاهاتها واهدافها، وبحسب الاتجاه العلمي الذي اختطه اصحاب هذه المصادر وهي أدبية ولغوية وتاريخية ودينية.
ذكرنا آنفا ان هناك جهودا حثيثة تضافرت لجمع شعر أبي طالب تمثلت بصنعتين : صنعة أبي هفان ، وصنعة علي بن حمزة، وقام جماعة من المعنيين بالشعر بالاستدراك على هاتين الصنعتين لديوان أبي طالب من المصادر.
ومن الطبيعي ان تحفل مصادر الادب بمادة شعر أبي طالب إلى جانب النظرة الادبية والنقدية المتفحصة التي تلقي بعض الاضواء في هذا الشعر وتساعد على توثيقه، ومنها البيان والتبيين للجاحظ (ت255هـ) فقد اورد بيتا واحدا(48)، وفي كتابه الاخر (البرصان والعرجان والعميان والحولان) أورد ستة أبيات(49)، وجاء في العقد الفريد لابن عبد ربه (ت328هـ) بيتُ واحدٌ(50)، ولا شك في أن هذه الأبيات القليلة هي أبيات مختارة من نصوص سواء أكانت قصيدة أو مقطوعة وكل مصدر من هذه المصادر ينفرد عن الآخر بهذه الأبيات، فليس ثمة تشابه بينها مما يمنحها الجديد ضمن الشعر المجموع.
ومن كتب الادب العامة التي حفلت بكثير من اشعار أبي طالب كتاب خزانة الادب للبغدادي فقد بلغ عدد الابيات الواردة فيه مائة وثلاثة ابيات(51)، وعلى الرغم من أن البغدادي متأخر، أفاد ـ بما لديه من خبره وعلم ودراية واسعة ـ بما قدمه من شروح للابيات الشعرية التي اوردها، ولا سيما فيما يتعلق بظاهرة توثيق شعر أبي طالب وانتحاله.
ومن المصادر الادبية العامة التي ترجمت عن الشعراء، كتاب طبقات فحول الشعراء لابن سلام (ت231هـ) الذي قسم كتابه على شعراء جاهليين واسلاميين وترجم لشعراء المدن، ومنهم أبو طالب في مكة فاثنى عليه ببراعة شعره وجودته ولكنه ذكر بيتا واحدا(52) من القصيدة اللامية لاستشهاد في التنبيه على قضية زيادة شعره وهو يحاور الاصمعي.
ومن التراجم الادبية الاكثر شهرة كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني (ت356هـ) فقد حوى كتابه سبعة ابيات(53) لشعر أبي طالب.
اما دواوين الشعر التي تضمنت شعر أبي طالب فمنها كتاب الحماسة البصرية لصدر الدين البصري (ت659هـ) الذي أورد ستة ابيات(54).
ولا ضير من الاشارة إلى الدواوين الخاصة التي ضمت شعر أبي طالب ومنها شعر ابنه طالب فقد تمثل في شعر أبي طالب ضمن قصيدته البائية بستة ابيات(55)، وضمن شعر حسان بن ثابت الانصاري بيتا واحدا(56)، وسنتحدث عن هذا الامر في توثيق شعره.
وتشترك المصادر النحوية واللغوية بعنايتها بشعر أبي طالب وغالبا ما يكون الاستشهاد بنيف أو بضعة ابياتٍ ونادرا ما تزيد عليها، واقدم مصادر النحو هو الكتاب لسيبويه (ت180هـ)، وقد أورد فيه ثلاثة شواهد شعرية(57)، وذُكِرَ في المقتضب لابي العباس المبرد (ت285هـ) شاهدان اثنان(58)، وفي تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الادب في علم مجازات العرب لابي الحجاج الشنتمري (ت476هـ) ثلاثة ابيات(59)، وفي سمط الّلآلي لابي عبيد البكري (ت487هـ) بيت واحد(60)،وفي الامالي الشجرية لابن الشجري (ت542هـ) بيتان اثنان(61)، وفي شرح جمل الزجاجي لابن عصفور الاشبيلي (ت669هـ) بيتان اثنان(62) ايضا، وفي شرح جمل الزجاجي لابن هشام الانصاري (ت761هـ) بيت واحد(63)،وفي مغني اللبيب عن كتب الاعاريب للمؤلف نفسه خمسة ابيات(64)، وفي شرح شواهد المغني للسيوطي (ت911هـ) اثنا عشر بيتا(65).
وافادت كتب اللغة والمعجمات من تفسير الالفاظ بالاستشهاد بابيات منفردة من شعر أبي طالب لأنها تابعة لمنهجها وموضوعاتها في بيان دلالة الالفاظ التي تقتضي الاستشهاد، ومنها كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة (ت276هـ) الذي أورد بيتا واحدا(66)،والاشتقاق لابن دريد الأزدي (ت321هـ) أورد ثمانية ابيات(67)، والزاهر في معاني كلمات الناس لابي بكر الانباري (ت328هـ) أورد سبعة ابيات(68)، والبارع في اللغة لأبي علي القالي (ت356هـ) أورد بيتين اثنين(69)،وديوان المعاني لابي هلال العسكري (ت395هـ) اورد بيتا واحدا(70)الى اخره.
ويرتبط شعر أبي طالب بسيرة ابن أخيه محمد (صلى الله عليه وآله) ارتباطا وثيقا ويعدُّ شعره وثيقة لدعم الأحداث التاريخية، وقد احتوت هذه المصادر مادة غزيرة من شعر أبي طالب؛ لأنَّه يحمل سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) من كفالة عمه أبي طالب له وتربيته ورعايته وحمايته وحياطته ونصرته ومؤازرته الى وفاته.
فشعر أبي طالب في سيرة النبي تمثل الحقبة التاريخية لتاريخ الاسلام منذ بزوغ فجره الى ما قبل الهجرة بقليل، واهم المصادر التاريخية التي ضمنت شعر أبي طالب السير والمغازي لابن اسحاق (ت151هـ) فأورد في سيرته مائتين وثلاثة وعشرين بيتا(71)، ونحن امام هذا الشعر في حذر، غير ان ابن هشام (ت213هـ) يبدد الحيطة والحذر، لأنه نظر الى الشعر الوارد في سيرة ابن اسحاق وفحصه وعرضه على رواة اللغة واثبته من غير أن يشكك في شعر أبي طالب الوارد في سيرة ابن اسحاق، فاورد بحسب محل الاستشهاد في السيرة النبوية بمائتين وثمانية عشر بيتا(72).
ومن المصادر التي عنيت بشعر السيرة النبوية، ولا سيما شعر أبي طالب، الروض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام للسُّهيلي (ت581هـ) فبذل السٌّهيلي جهداً قيماً في شرح اشعار أبي طالب الواردة في السيرة من الفاظ استغلق فهمها واغمض اعرابها(73).
وتلت سيرة ابن هشام كتب أُخرى عيال عليها ومنها السيرة النبوية لأبي الفداء اسماعيل بن كثير (ت774هـ) فأورد مائة وسبعة وستين بيتا(74)، وفي البداية والنهاية في التاريخ للمؤلف نفسه ذكر مائة واربعة وخمسين بيتا(75).
ومن المصادر التاريخية كتب التراجم التي حفلت بشعر أبي طالب، فورد في أنساب الأشراف للبلاذري (ت279هـ) اثنان وثلاثون بيتا(76)، وفي الاصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني (ت852هـ) أربعة ابيات(77).
وحفلت مصادر العقائد التي تبحث عن موضوعات دينية تتصل بعقيدة أبي طالب بشعر وفير، ومنها النكت الاعتقادية (في ايمان أبي طالب) للشيخ المفيد (ت413هـ) ذكر تسعة وستين بيتا(78)، وفي كتابه الفصول المختارة أورد ثلاثة وعشرين بيتا(79)، وفي كنز الفوائد للكراجكي (ت449هـ) اورد تسعة واربعين بيتا(80)،وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب(ت588هـ) اورد مائة وستة عشر بيتا(81)، وفي الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب للسيد فخارالموسوي(ت630هـ) أورد مائتين وثلاثة واربعين بيتا(82)، وفي شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد (ت656هـ) أورد مائة وثمانية وخمسين بيتا(83).
وما يبعث على الاطمئنان في هذه النصوص انها جاءت متواترة ومتشابهة، وقد اومأ ابن أبي الحديد إلى هذا الامر فقال: «فكل هذه الاشعار قد جاءت مجيء التواتر؛ لأنَّه إن لم تكن آحادها متواترة، فمجموعها يدل على امر واحد مشترك، وهو تصديق محمد (صلى الله عليه وآله) ومجموعها متواتر كما أنَّ كل واحدة من قتلات علي (عليه السلام) الفرسان منقولة آحادا، ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضَّروري بشجاعته... » (84).
ومن هذا كله فلا بد من توثيق شعر أبي طالب قبل دراسته.
توثيق شعره:
في دراستنا لتوثيق شعر أبي طالب تبين لنا امران اثنان:
الأول: وجود اشارتين إلى الوضع في المظان القديمة:السيرة النبوية لابن هشام وطبقات فحول الشعراء لابن سلام وهاتان الاشارتان لا تشمل الوضع في شعر أبي طالب وانما خصتا القصيدة اللامية فحسب.
ونجد في الكتب الحديثة اشارات الوضع والنحل في شعره، للمستشرقين بلاشير وكارل بروكلمان واتبعهما كاتبان من كُتَّاب العرب وهما محمد السيد كيلاني والنجار.
الامر الثاني: انتحال عدد من المقطعات والأبيات في شعر أبي طالب.
إنَّ اقدم اشارة وصلت الينا من مظان علماء القرن الثالث الهجري في الوضع الذي اصاب احدى قصائد أبي طالب ـ وليس شعره ـ أو في نسبة ابيات القصيدة، هي إشارة ابن هشام، فقد ذكر ما صح له من القصيدة اللامية، وعزف عن ذكر ما لم يصح لديه منها واردف بما يضعِّف درجة هذه الصحة في تعقيبه على القصيدة بعد ان أورد منها أربعة وتسعين بيتا، قال: «هذا ما صح لي من هذه القصيدة وبعض اهل العلم بالشعر ينكر اكثرها» (85).
فيتضح من عبارة ابن هشام انه حصر الشك والانكار في «بعض أهل العلم بالشعر» بخلاف أكثر علماء الشعر الذين لا ينكرونها، ولايشككون في صحة نسبتها إلى أبي طالب، وكلام ابن هشام هذا يقلل الشك ولايقطع به، ولم يذكر ابن هشام أسماء هؤلاء القلة من علماء الشعر الذين استرشد اراءهم في حكمه على القصيدة، واكتفى بتعميم قوله: «وبعض أهل العلم ... » وربما عزف عن ذكر أسمائهم للاختصار، أو لأنه لم يجد داعيا لهذا الامر، لأن ما يهمه ذكر ارائهم فحسب، ولو صرح بأسمائهم؛ لساعدنا على معرفة مكانتهم العلمية للوصول إلى مسوغات لارائهم التي تجد طريقها في الحكم الصائب والدقيق بهذا الشأن.
ومما يضيق دائرة الشك ويحصرها، ان هؤلاء القلة من علماء الشعر لم يذكروا قائلا اخر لنص القصيدة اللامية في الوقت الذي يقتضي منهم معرفتهم بقائلها ماداموا لا يقرون صحة نسبتها، وهذا يجعل انكارهم ضيقا.
وربما ما صح عند ابن هشام صح عند غيره، وما انكره هو انكره بعض أهل العلم بالشعر، فتكون القصيدة الموجودة موثقة عنده وعند غيره وما تركه منها تركه لأنه لم يصح، ولأن بعضهم انكره لذلك كله، فمن المرجح أن تكون القصيدة طويلة جدا، ولعلها تقترب من الملحمة التي تؤرخ معارضة زعماء قريش للاسلام.
إنَّ تعليق ابن هشام بالشك في ابيات من القصيدة اللامية لا في نسبة قائلها في قوله: «وبعض أهل العلم بالشعر ينكر اكثرها» من غير ان يردف بقوله «له» مما يجعل الانكار ينسحب إلى أبيات القصيدة ولا يقتصر على نسبتها الى أبي طالب وهذا ما يومىء إلى أن هذه الابيات موضع الشك هي من صنع الواضعين، وضعت لاسباب سياسية، ولا سيما ان في القصيدة تعريضا ببعض شخصيات زعماء قريش الذين كان لابنائهم فيما بعد اثرهم السياسي في تولية دفة الحكم في العهدين: الأُموي والعباسي.
فكأن هؤلاء القلة من أهل العلم اسقطوا الأبيات الشعرية من القصيدة اللامية التي تسيء إلى مسامع السلطة الحاكمة، فحكموا عليها بالوضع فيها، وجاء من بعدهم تبعٌ قال بقولهم، لما لهذا القصيدة من وضع خاص يعرفه ابن هشام وغيره.
وقد حرص ابن هشام على ذكر رأي بعض اهل العلم للأمانة العلمية وإن كان يخالف رأيه وقد خفف من حدة الشك إلى أقل قدر ممكن، فاثبت ما اعتقد بصحته، وإن خالفهم، وهذا الامر يدل على ان الشك في أبيات من القصيدة ضعيف لا تؤيده أدلة قاطعة، على أن ابن هشام ابقى الشك بدرجة ترجيحية، ليتيح الفرصة أمام الباحثين بأن يأتوا بأدلة غائبة عنه تمكنهم من محوه أو تثبيته. وهذا يحملنا على البحث في المصادر الاخرى التي وردت فيها القصيدة اللامية لمعرفة سندها وصحته، لنصل الى الحكم السليم.
فقد حددت القصيدة في الديوان صنعة أبي هفان المهزمي البصري بسند صحيح قال: «انشدني عمي خالد بن حرب عن عبد الله بن العباس بن الحسين بن عُبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ» (86) وأورد القصيدة في مائة واحد عشر بيتا(87)، واختلفت الاراء في سبب انشائها، فمنهم من قال إنه «لما خشي أبو طالب دهماء العرب ان يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعّوذ فيها بِحُرَم مكة ومكانه منها، وتودّد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنَّه غير مُسلِّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يهلك دونه» (88) ومنهم من يقول انه قالها في الشِّعب وفي بعض أبياتها ما يؤكد ذلك(89)، وهي صحيحة والزيادة في القصيدة لاتعني الشك في بعض ابياتها، وقد عقب ابن أبي الحديد في معرض حديثه عن أشعار أبي طالب التي تدل على ايمانه فقال: «فكل هذه الاشعار قد جاءت مجيء التواتر... ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة «قفا نبكِ» وإن جاز الشك فيها او في شيء من ابياتها جاز الشك في «قفا نبكِ» وفي بعض ابياتها» (90).
وعرف ابن كثير ما آلت اليه القصيدة من تشكيك ابن هشام فذكرها في السيرة النبوية(91)، والبداية والنهاية في التاريخ(92)، فأورد ثلاثة وثمانين بيتا، وعقب عليها بعدما ذكر نص ابن هشام قال: «قال ابن هشام: هذا ما صح لي من هذه القصيدة، وبعض اهل العلم بالشعر ينكر اكثرها قلت: هذه قصيدة عظيمة بليغة جدا لايستطيع يقولها إلا من نُسبت اليه، وهي افحلُ من المعلقات السبع! وأبلغ في تأدية المعنى منها جميعها،وقد أوردها الاموي في مغازيه مطولة بزيادات اخر والله أعلم» (93).
إنَّ في السيرة النبوية لابن هشام زيادة في أبيات القصيدة اللامية على ما أورد ابن كثير، فقد زاد ابن كثير بيتا واحدا رقم (77) ، وقدم واخر في ترتيب الابيات (78، 79، 80، 81، 82، 83)(94) وهذا يعني ان ابن كثير لم يأخذ القصيدة عن ابن هشام، ولكنه نظر الى ما دوّنه ابن هشام، والى من قبله من مدوِّني السيرة ومنهم الاموي(95) مدوّن مغازي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ ما يتناسب من محل الاستشهاد، وهو يعقب على كلام ابن هشام على صحة القصيدة على الرغم مما ورد فيها من زيادة أنه «لايستطيع يقولها إلا من نُسبت اليه»؛ لبراعتها وبلاغتها في تأدية المعنى المقصود في الأبيات جميعها، ولهذا فضلها؛ لأنها أفحل من المعلقات السبع.
وما ذكر ابن كثير من الزيادات للقصيدة في مغازي الاموي، لا يقصد بها انه يشكك في بعض أبياتها، وانما أراد أنها وردت في روايات اخرى بعدد أكثر من الأبيات التي أوردها، وانتخب منها ما يناسب الاستشهاد.
واتفق بعض العلماء على أن عدد أبيات القصيدة اللامية بلغ مائة وعشرة ابيات، فقد أورد العيني (ت855هـ) قوله : «قصيدة طنانة من بحر الطويل وهي مائة بيت وعشرة اولها:
{من الطويل}
وآخرها قوله:
وذكر القسطلاني (ت993هـ) في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري عن القصيدة اللامية قوله : «قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل وعدة ابياتها مائة بيت وعشرة أبيات قالها لما تمالأ قريش على النبي (صلى الله عليه وآله) ونفروا عنه من يريد الاسلام» (97).
إنَّ اتفاق بعض العلماء على عدد أبيات القصيدة اللامية وخاتمتها يجعلنا مطمئنين الى ان ما ورد من عددها في الديوان صنعة أبي هفان، اما البيت الزائد فلا يشكل كبير اهمية لصحة ما مثبت من عددها فضلا عن أنَّها موثقة.
أما ماورد من ذكر أبيات القصيدة في مظان الأدب واللغة والتاريخ وغيرها بغير هذا العدد، فاصحابها غير معنيين بايرادها كاملة، فمن حقهم ان يأخذوا محل الشاهد وترك ما لا يعنيهم منها، ولذلك نجد اللغوي السٌّهيلي في كتابه: الرَّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوة لابن هشام يعلق لغويا على أبيات القصيدة اللامية التي تستدعي التعليق، ويعزف عن الأبيات التي لا تحتاج الى تعليق(98)، وعبد القادر البغدادي وهو متخصص بالأدب واللغة والنحو في كتابه خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب انتخب من القصيدة اللامية أربعة وأربعين بيتا شارحا إياها وعزف عن بقية أبيات القصيدة؛ لأنَّه لا يلتمس فيها صعوبة لتوضيحها؛ والتعليق عليها(99).
اما الاشارة الثانية، فهي التي وردت لابن سلام في كتابه طبقات فحول الشعراء، وربما اطلع ابن سلام على رأي ابن هشام وهو بصري النشأة(100)، واديب اخباري نسابة(101)، وابن سلام من ائمة أهل الادب البصريين، وله علم بالشعر والاخبار(102)، فكلاهما بصري، فذكر له رأيه وعاضده ابن سلام وزاد عليه قائلا: «وكان أبوطالب شاعرا جيد الكلام، ابرع ما قاله قصيدته التي مدح فيها النبي(صلى الله عليه وآله):
{من الطويل}
وقد زيد فيها وطُوِّلت ورأيت في كتاب يوسف بن سعد صاحبنا منذُ اكثرَ من مئة سنة، وقد علمتُ ان قد زاد الناس فيها، ولا ادري أين منتهاها وسألني الاصمعيُّ عنها فقلت: صحيحةٌ جيِّدةٌ؛ قال: أتدري اين مُنتهاها؟ فقلت: لا! » (103).
لاحظ ابن سلام أنَّ القصيدة اللامية «قد زيد فيها وطوّلت» نظرا لما قراه من كتاب يوسف بن سعد قبل مائة سنة ثم عقب عليه انه علم «ان قد زاد الناس فيها»، فالكتاب الذي اطّلع عليه ابن سلام قبل مائة سنة، اقرب الى عهد بداية التدوين وهذا التقادم في زمن الرواية يجعلنا ـ في اقل تقدير مطمئنين إلى صحة الروايات التي دوَّنها يوسف بن سعد «وهو اقدم جدا من ابن سلام» (104) التي أخذها من أفواه الرواة،ومن اصولها الأولى، وهذه الروايات بطبيعة الحال متعددة، فيها زيادات وبعض الاحايين فيها نقصان بحسب ما تروى اليه من ابيات وبالضرورة ان ماوجده ابن سلام في الكتاب المذكور زيادة في بعض المرويّات فعلق عليها ، ولكن هذه الزيادات لم تكن دخلية على شعر أبي طالب فقال ابن سلام بزيادتها في المصدر الذي بين يديه، ولم يقل انها حملت على قصيدة أبي طالب وهي ليست له، بدليل انه لم يذكر عدد أبيات القصيدة، والسبب في هذا يسير فهو في حيرة من امره غير متيقن من عددها، لذلك يصرح: «ولا أدري أين مُنتهاها».
أما قوله: «رأيت في كتاب يوسف بن سعد صاحبنا منذ اكثر من مئة سنة»، فإنا إذا استبعدنا مقصد ابن سلام ان يوسف بن سعد جمحي مثله، ففي النص شيء غامض، فليس من المعقول أن يصاحب ابن سلام رجلا ألَّف كتابا مُنذ اكثر من مائة سنة، وعمره اثنتان وتسعون سنة(105).
وابن سلام لا يشك في صحة القصيدة، وهذا ما يؤكده للأصمعي حينما سأله عن القصيدة المذكورة فاجابه: «فقلت: صحيحة جيِّدة»، وهذا يعني أن الاصمعي قد عرضها عليه، فأكد ابن سلام صحتها ثم سأله : اين منتهاها ؟ فأجابه بعدم معرفته بمنتهاها، مما يؤكد انه لم يشكك في بعض أبيات القصيدة، وانما لم يعرف اين تنتهي شأنه شأن الاصمعي.
وربما أن طول القصيدة غير المألوف في الشعر القرشي بما انماز به من قصائد قصيرة ومتوسطة الطول ومقطعات(106)، هو ما جعل العلماء يتساءلون عن منتهاها ولا سيما الاصمعي.
اما ما جاء في كتب الأدب الحديثة حول ظاهرة الوضع والنحل في شعر أبي طالب ما ردده بلاشير في كتابه تاريخ الأدب العربي، فقد ارتاب من شعر مؤسس الاسلام والناصر لدين الله والحامي لرسوله، لأن مواقفه البطولية موافقة لقطع شعرية مرتبطة بظرف الموقف نفسه فقال: «يبدو أبو طالب في كتب السيرة التي تروي حياة مؤسس الاسلام حاميا للدين الجديد، ولا يستغرب أن تكون الأخبار التي تصف مواقفه مفصولة من قطع شعرية مرتبطة بالظروف الموصوفة.
ان تلك القطع الشعرية ذات الاسلوب غير الموفَّق مدعاة للشك في نظر أكثر من مؤرخ شرقي، وهي في الواقع تشبه إلى حد بعيد القطع الماثلة في اقوال القصّاص، وبما أن اغلبها وارد في اخبار السيرة لابن اسحاق (المتوفى حوالي 151هـ / 768م) فهي اذن سابقة لهذا التاريخ ومندمجة بصورة طبيعية في حركة فكرية مناصرة للعلوية التي من شأنها الصعود إلى ابعد ما يمكن في الماضي بالنضالية الحتمية لعلي وأبيه في سبيل انتصار الاسلام، ولا يسعنا الاحتفاظ بهذه القطع في سبيل استحضار الشعر في مكة في اوائل القرن الاول الهجري/ السابع الميلادي» (107).
ركز بلاشير على النحل في كتب السيرة النبوية التي تروي حياة أبي طالب احد ركائز الاسلام، والحامي لدين الله، لان تاريخه مرتبط بتاريخ ابن أخيه النبي محمد(صلى الله عليه وآله) منذ كفالته ورعايته وتربيته له وهو صغير، وتنشأته وعمله بالتجارة وتزويجه، وهو مازال يافعا شابا، الى بعثته نبيا وهو كبير، فكان من البديهي ان تذكر مظان السير سيرة أبي طالب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكانت بالضرورة أن تقف على اشعاره التي ترتبط بظروفها؛ لأن الأدب ولا سيما الشعر يستعين بالتاريخ لمعرفة الظرف الذي ولد فيه النص الشعري الابداعي، وهذا الامر يضعِّف من انكار بلاشير وارتيابه حول القطع الشعرية المرهونة بظرفها الموصوف في عدم صحتها لديه، واذا لم تكن هذه القطع المشار اليها صحيحة، فبلاشير لم يذكر اسم قائليها، لأنه يعرف أنها منسوبة، فبالضرورة يعرف اصحابها، وهذا يضعِّف من انكاره وشكه فيها.
ويقدم بلاشير دليلا وهِنَا اخر يضعِّف من درجة انكاره وانكار اكثر من مؤرخ شرقي كما يدعي «ان تلك القطع الشعرية ذات الاسلوب غير الموفَّق مدعاة للشك في نظر اكثر من مؤرخ شرقي».
إنَّ كلام بلاشير غير دقيق؛ لأنَّه لم يقدم أي انموذج شعري يمكن من خلاله ان نلتمس منه الاسلوب غير الموفَّق في نظر أكثر من مؤرخ شرقي، فكلامه فيه تعميم إذ لم يذكر أي اسم من أسماء أولئك المؤرخين، ليساعدنا على معرفة مكانتهم العلمية لنصدر حكما موفقا وسليما.
اما بشأن تعليقه على الأسلوب غير الموفق لهذه القطع الشعرية التي استدعت الشك، فهذه المزية تعزز من ضعف ادعائه وارتيابه حول شعر أبي طالب؛ وبما ان شعر أبي طالب يحمل خصائص شعر قريش، فقد اشار ابن سلام إلى أهم مزية لهذا الشعر الكفيلة بدحض حجة بلاشير، فقال ابن سلام:
«واشعار قريش اشعار فيها لين فتشكل بعض الاشكال» (108) على النقاد وغيرهم، وأراد ابن سلام أنَّ قريشا انمازت بسهولة الألفاظ ورقتها «وهذا آتٍ من اثر البيئة الحضرية فيها» (109).
وهذا الامر لايتعارض مع فصاحتها فمن المعلوم ان قريشا كانت تنتقي افصح الألفاظ، وأكثرها إبانة في التعبير، واوقعها معنىً في اذن السامع، واسهلها لفظا في النطق وألينها، وهذا مما انماز به شعر أبي طالب .
وقد حاولنا أن نتفحص في مظان السير القديمة والمتأخرة(110)، فلم نعثر في حدود ماوقع بين ايدينا من مصادر على أنَّ احدا من المؤرخين قد شكك في شعر أبي طالب ما خلا بعض ابيات القصيدة اللامية التي ذكرها ابن هشام في سيرته التي تطرقنا اليها آنفا وهي قصيدة وليست قطعة شعرية، وهذا ينفي جميع ادعاءات بلاشير غير المستندة الى دليل صحيح يقوم حجته ونظريته في انكار اكثر الشعر العربي قبل الاسلام وصدره التي لا تقوم على الاستقراء الكامل لكتب السير كلها ولا سيما شعر أبي طالب الموجود فيها.
أما قول بلاشير من إن القطع الشعرية «تشبه الى حد بعيد القطع الماثلة في اقوال القصاص» فهذا لا يسوغ الشك فيها؛ لان بعض المناسبات والاحداث التاريخية قيلت فيها اشعارٌ صحيحة، ولكن بلاشير مصر على انكار القطع الشعرية المنسوبة إلى أبي طالب في كتاب السير والمغازي لابن اسحاق فقال: «وبما ان اغلبها وارد في اخبار السيرة لابن اسحاق (المتوفى حوالي 151هـ / 768م) فهي اذن سابقة لهذا التاريخ ومندمجة بصورة طبيعية في حركة فكرية مناصرة للعلوية التي من شأنها الصعود إلى ابعد ما يمكن في الماضي بالنضالية الحتمية لعلي وابيه في سبيل انتصار الاسلام»، إنَّ كلام بلاشير تنقصه الدقة، صحيح ان ابن اسحاق اورد في سيرته شعر أبي طالب مقترنا بمناسبته ولكنه في الوقت نفسه كان ابن اسحاق يعنى بالاسانيد ويلزم نفسه بذكرها، ومما يجعلنا مطمئنين لما ورد من شعر أبي طالب في السيرة أن ابن هشام عقب على ابن اسحاق في سيرته بالتحرير والاختصار والنقد، فحذف «من الشعر ما لم يثبت لديه، ثم استقصى وزاد بما يملك من علم، ويسترشد من فكرة فجاءت السيرة على ما ترى معروفة به، منسوبة إليه حتى ليكاد الناس ينسون معه مؤلفها الاول: ابن اسحاق» (111)، ولم يرد عن ابن هشام أنه شكك في القطع الشعرية وهو يستشهد بها لأبي طالب، فقد رواها ابن هشام بالاسانيد نفسها التي ذكرها ابن اسحاق، وهذا ما يضعِّف انكار بلاشير من ارتيابه باسانيد السير والمغازي لابن اسحاق على الرغم من ان ضعف الحديث سندا لا يخوله ضعفه متنا، فقد يرد مرويا باسانيد أُخر صحيحة.
وما يومىء اليه بلاشير بان هذه الاشعار موضوعها في غورها التاريخي من قبل اشياع العلويين؛ لبيان العمق التاريخي النضالي للامام علي وأبيه 8 فالشيعة لايحتاجون ان يؤكدوا الاثر البطولي والنضالي لعلي وأبيه في سبيل انتصار الاسلام امام العرب؛ لأنَّ تاريخهما معروف لجميع المسلمين، وربما التجأ بلاشير الى هذا التعليل ليسوغ ما ذهب اليه من نظرية عدم صحة أكثر الشعر العربي في مرحلتي قبل الاسلام وصدره مستندا إلى أدلة عقلية وليست نقلية.
وكارل بروكلمان من المستشرقين الذين شككوا في أن بعض شعر أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) منحول؛ لأنَّه يدور حول ما وقع بين النبي وقريش من احداث، وان مؤرخي السير زينوا سيرة الرسول بشعره لدعم سرد الاحداث، وهو تشكيك لايقوم على علم ويقين صحيحين، فقال: «ولعل بعض هذا الديوان صحيح لتناسب صداه مع حقيقة مواقف أبي طالب، ولكن اكثره منحول، لان الدواعي توافرت عند المحدثين لتزين سيرة النبي في اوائل عهد النبوة أيضاً بكثير من الأشعار بعد ان كثرت الأشعار في سيرته بالمدينة، كما أن شيعة علي أرادوا أن يشيدوا بمعاونة ابيه للنبي، ليضعوه بذلك في مكان بارز، ولابد ان هذا الشعر وضع من قديم، لانه لم يزل يذكر بني هاشم امة واحدة ، لم تفترق بعد الى علويين وعباسيين، ومن ثم ظننت صحة هذا الشعر، فقد روى ابن اسحاق اكثره في سيرة النبي» (112)، كرر كارل بروكلمان ما ردده بلاشير في حديثه عن السيرة النبوية وركز على امرين: الاول الانتحال في بعض اشعار الديوان، والثاني الوضع فيما ذكرته السيرة.
فذكر في النص أن «بعض هذا الديوان صحيح»، فهو يستبعد نسبة الديوان كله معللا ذلك «لتناسب صداه مع حقيقة مواقف أبي طالب» المشرفة في الاسلام وصاحب الرسالة، ولكنه يستدرك ان اكثر شعر أبي طالب منحول، وهو لم يومئ الى الشعر الذي حمله على التشكيك بنسبته إلى أبي طالب، ولم يذكر مثالا واحدا ليدل بذلك على ما قرره في قوله «ولابد أن هذا الشعر وضع من قديم» لكننا نجده منساقا وراء دواعي النحل إلى ثلاثة عوامل: الاول، ذوقي وهو وضع اشعار على لسان أبي طالب لتزيين اخبار النبي في السيرة، يريد أنَّ الشعر يزيد استماع العربي لما يروى من قصة او خبر.
ولا يخفى ان السيرة النبوية ليست حكاية أو قصة أو أسطورة تزين بالشعر ؛ لكي يحلو الاستماع اليها والتلذذ باحداثها؛ لأنَّها تتحدث عن مواقف معارضة المشركين لرسول الله(صلى الله عليه وآله) واضطهادهم له في اوائل البعثة.
اما العامل الثاني، فهو العامل السياسي، فقد اومأ اليه ابن سلام(113)، وربما اطلع عليه بروكلمان واستند اليه، ففسر وجود الوضع والانتحال في شعر أبي طالب إلى هذا العامل الذي يلحظ أثره في السيرة النبوية ولا سيما في شعر أهل مكة الذي كان له أثر كبير في الدعوة الاسلامية في الحقبة الزمنية للبعثة النبوية أي «في اوائل عهد النبوة» وفيه حملت قريش لواء العداء ضد الدعوة وصاحبها ومن معه من المسلمين وعلى مستويين: الحرب والشعر، وبعد فتح مكة واسلام أهلها بقي أثر الشعر ضئيلا في رسول الله قياسا لشعراء اهل المدينة «بعد ان كثرت الاشعار في سيرته في المدينة» ثم توالت الازمان، فرفع العباسيون شعار العداء للعلويين، فناهض شعراء الشيعة السلطة الحاكمة فاشادوا بمعاونة أبي طالب ابي الامام علي «ليضعوه في مكان بارز» وهذا ما قصده بروكلمان .
وكلامه هذا يصح لو كان الامام علي (عليه السلام) وابوه من قبيلة لم يكن لها مشاهد مؤثرة في نصرة رسول الله ، فالامام لا يحتاج لان توضع لأبيه أشعار في أوائل عهد النبوة؛ لتعرف مكانته بين العرب فأبو طالب الداعي للاسلام والكفيل والمؤيد والناصر والمؤازر والحامي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) واحد مؤسسي دعائم الدين الاسلامي، فقد اعز الله رسوله بعمه أبي طالب عميد الهاشميين والمطلبيين ورئيس مكة وحاكمها، وشرف نسبه ينبلج من النسب النبوي ، ومواقفه في زمن البعثة وغيرها كفيلة في تخليده بالذاكرة على مر الاجيال، فلا يحتاج من شيعة الامام أن يضعوه في مكان بارز كما زعم بروكلمان.
اما العامل الثالث، فهو الرواية فقد تراجع بروكلمان عن كلامه في نحل الشعر لأبي طالب وما اسند إليه من وضع بقوله: «ومن ثم ظننت صحة هذا الشعر فقد روى ابن اسحاق اكثره من السيرة» وهذا هو الاهم عند بروكلمان ظنه بصحة الشعر؛ لأنَّه روي بسيرة ابن اسحاق.
ويحسن بنا الايماء الى أن ابن اسحاق اعلم الناس في السيرة على الرغم مما قال فيه ابن سلام(114)، بعدم درايته في الشعر وكان ذلك فيما يخص الشعر الذي ينسب الى قومي عاد وثمود البائدتين، والاقوام غير عربية، ثم جاء ابن هشام بعده، ففحص الاشعار ونقحها فما صح عنده اثبته، وما لم يصح عنده وشك فيه اشار الى عدم صحته، أو اهمله(115).
وفي قراءة فاحصة لكلا الكتابين: السير والمغازي لابن اسحاق(116)، والسيرة النبوية لابن هشام(117)، لما ورد من شعر أبي طالب تبين أن ابن هشام لم يحذف شيئا مما ذكره ابن اسحاق في كتابه ما خلا ابيات من القصيدة اللامية وعلق على هذا الامر جمهور مؤرخي السير كما ذكرنا آنفا، وهذا كفيل بصحة ما ورد من شعر أبي طالب في سيرة النبي ورد لما ذكره بروكلمان في هذا الصدد.
وممن جارى آراء الكتاب المستشرقين الغربيين بعض كُتَّاب العرب في الادعاء بالوضع والنحل لقصائد أبي طالب، وهما محمد سيد كيلاني و النجار, اما الأول: أخذ في كتابه اثر التشيع في الادب العربي يطلق كلاما عاما غير موثق من أنَّ ادباء الشيعة «وضعوا كثيرا من القصائد ونسبوها إلى أبي طالب ليثبتوا بذلك اسلامه، وحسن بلائه في الدين ودفاعه عن النبي وحمايته له، وجهاده في سبيل الاسلام، فمما ينسب اليه قوله :
{من الطويل}
ذكر الكيلاني كلاما عائما مشابها فيه لآراء المستشرقين في تعليل الوضع والنحل الذي اصاب شعر أبي طالب من وضع اشياع العلويين لكثير من القصائد ونسبوها الى أبي طالب، فلم يذكر الكيلاني القصائد المزيفة الكثير التي حُمِلت على شعر أبي طالب ـ ما خلا بيتين اثنين من القصيدة اللامية ـ ولم يبين اثر الوضع في هذه القصائد الكثيرة التي ادعاها، واي منها منسوب إلى أبي طالب؛ ليتسنى فحصها وتحقيقها، لنقف على الصحيح منها.
ومما يبطل إنكار الكيلاني قصائد أبي طالب التي ادعى الزيف فيها ويضعف صحة كلامه تعليله لظاهرتي: الوضع والنحل في شعر أبي طالب وهو ان اشياع العلويين ارادوا ان يثبتوا «بذلك اسلامه، وحسن بلائه في الدين ودفاعه عن النبي وحمايته له، وجهاده في سبيل الاسلام، فمما ينسب اليه... » البيتان.
إن تعليل الكيلاني لما يتسم به أبو طالب من روح نضالية مجاهدة ومتفانية في سبيل تثبيت دعائم الاسلام في شعره من دواعي نسبته إليه؛ لأن شعره يتسم بهذه الروحية السامية وما تضمنته القصيدة اللامية يقوي صحة القصيدة وان كلا البيتين المذكورين آنفا في ديوان أبي طالب صنعة أبي هفان وعلي بن حمزة، وقد وردت القصيدة فيها بسند صحيح وسليم(119).
وواضح أن الكيلاني لم يطلع على ديوان أبي طالب مخطوطا أو منشورا وكتابه سابق في التأليف قبل نشر الديوان؛ مما اسقط حجة انكاره لشعر أبي طالب.
اما الثاني: ما ذهب اليه الاستاذ النجار وهماً في هامش كتاب الكامل في التاريخ إلى أنَّ القصيدة البائية المرفوعة منحولة، وانما له بائية مجرورة معقبا على ما ورد في متن الكتاب الذي أورد ابياتا منها في امر الصحيفة الجائرة وأكل الأرضة لها لما فيها من ظلم وقطيعة رحم، فقال أبو طالب قصيدته البائية ومنها هذه الابيات الثلاثة :
{من الطويل}
قال النجار: «ارى اثر الصنعة ظاهرا في هذه الابيات ونحن تحرينا كتب السير والتواريخ ومجموعة قصائد أبي طالب التي شرحها علي فهمي مفتي بلاد الهرسك فلم نجد له بائية مرفوعة، وانما له بائية مجرورة وأولها :
{من الطويل}
بل المعروف أن أبا طالب قال في امر الصحيفة قصيدته الدالية وهي كما رواه ابن هشام وغيره.... {الابيات} » (121).
نبه النجار على الأبيات الشعرية المذكورة في متن كتاب الكامل في التاريخ لابن الاثير (ت630هـ) انها مصنوعة وان أثر الصنعة ظاهر فيها، ولكنه لم يبين هذا الاثر، ومن ثمَّ انه تحرى كتب السير والتواريخ ومجموعة قصائد أبي طالب فلم يعثر عليها.
إن كتب السير والتاريخ غير معنية باشعار أبي طالب وغيره؛ لأنها متخصصة لغرض معين وإن كانت مادة الأدب تفيد من التاريخ في معرفة مناسبة النص، ولاسيما ان كتب التاريخ لا تعبأ بالشعر إلا قليلا؛ لأنّها تعني بالاحداث التاريخية، ويبدو أن النجار لم يستقرِ مصادر شعر أبي طالب؛ فقد تحرينا عن القصيدة البائية، فعثرنا عليها كاملة ومجتزأة في مظان السير والعقائد والأدب؛ ومنها : السير والمغازي لابن اسحاق(122)، والنكت الاعتقادية للشيخ المفيد(123)، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر اشوب(124)، والحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب(125).
والمتأخرة: بحار الانوار للمجلسي (ت1111هـ)(126)،والغدير في الكتاب والسنة والأدب للأميني (ت1390هـ)(127)، والقصيدة مبثوثة في ديوان أبي طالب صنعة أبي هفان(128)، وصنعة علي بن حمزة(129)، ويبدو أنَّ علي فهمي الذي جمع شرح اشعار أبي طالب لم يطلع على هاتين الصنعتين، ولا الاستاذ النجار مما دعا الاخير إلى التشكيك في نسبة القصيدة إلى أبي طالب .
ورأي النجار يفتقر الى الدقة فالقصيدة البائية التي علق عليها بائيتها مجرورة وليس مرفوعة ، وتوجد قصيدة اخرى أشار اليها بائيتها مجرورة ايضا، فالمدة التي بقي فيها أبو طالب في الشِّعب ثلاث سنين وهي مدة كافية لان يصدر منه اكثر من نتاج شعري ابداعي في مخاض معاناة الحصار في الشعب ومن هذا النتاج القصيدتان البائيتان المكسورتان وغيرهما(130) .
اما ظاهرة الاضطراب في رواية الشعر ونسبته إلى قائله فـ«مشكلة صعبة المسالك يمكن ان تصادف الباحث في كل دراسة يتجه بها الى ادبنا القديم، ولاسيما أدب الجاهلية وصدر الاسلام، ذلك لأن تشابه الأسماء أحيانا يميل بالرواية إلى الوهم والاضطراب بين هذا وذاك، وأسرة الشاعر أيضاً ربما أوقَعَت في الوهم إن كان فيها من يقرض الشعر، وكذلك شهرة الشاعر بلَونٍ مُعيَّنٍ من الشعر يمكن ان يوقع في الوهم والاضطراب مع من اشتهر بهذا اللون أيضا... وكذلك نجد اضطرابا في نسبة الاشعار إلى اصحابها لا لشيء إلا بسبب الوهم أو عدم التَّثَبُّت من الرواة، وهذا كثير جدا في ادبنا القديم» (131)، فضلا عن تشابه النصوص الشعرية التي تكون على وزن وقافية واحدة.
ويمكن أن نُصَنِّف المقطوعات والأبيات الشعرية المتدافع عليها في شعر أبي طالب بحسب اهميتها الى انواع وهي كما يأتي:
النوع الاول: عدم تثبُّت الرواة من نسبة شعره الذي يرجع الى سبب الوهم، ومنه: البيتان اللذان هما لأبي طالب ونسبا وهماً الى غيره، ما نسبه السُّهيلي من شعر لأبي سفيان في رثاء مسافر بن ابي عمرو فقال: «وذكر شعر مسافر بن ابي عمرو بن أُمية ....وهو الذي يقول فيه أبو سفيان:
{من الخفيف}
في شعر يرثيه به» (132).
وقد علق البغدادي على هذين البيتين «والبيتان المذكوران أولا من تسعة أبيات لأبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) رثى بها مسافرا المذكور وبعدهما... {الابيات} ونسب السُّهيلي هذا الشعر لابي سفيان» (133).
إنَّ نسبة البيتين المذكورين في القصيدة النونية لأبي سفيان وهم وقع فيه السّهيلي للأسباب الآتية: انَّه انفرد بهذا القول، والقصيدة مثبتة في ديوان أبي طالب صنعة أبي هفان، وعلي بن حمزة، وموثقة في اربعة وعشرين مصدرا(134) في نسبتها إلى أبي طالب، ثم أن رواية السُّهيلي متأخرة عن صناعة شعر أبي طالب، زد عمّا يروى أن أبا طالب كان نديما لمسافر بن أبي عمرو بن امية بن عبد شمس(135)، وكان مسافر قد دخلته علة، فخرج ليتداوى في الحيرة فمات، فرثاه أبو طالب بقصيدته النونية(136)، وهذا كله مما يدحض نسبتها إلى ابي سفيان بن حرب، ويقوي نسبتها الى أبي طالب.
ومما ينسب لغير أبي طالب وَهماً بسبب عدم التثبُّت من نسبته قوله :
{من الوافر}
وهو من الشواهد التي استشهد بها النحاة في باب الحذف، ومنه حذف لام الامر للضرورة الشعرية، والبيت متنازع النسبة بين أبي طالب والاعشى وحسان بن ثابت عند البغدادي في خزانة الادب فقال «... والبيت لا يعرف قائله ونسبه الشارح... لحسان وليس موجودا في ديوانه وقال ابن هشام (في شرح الشذور): قائله أبو طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله)، وقال بعض فضلاء العجم (في شرح ابيات المفصل): هو للاعشى» (138).
ولم تسعفنا كتب اللغة التي استشهدت بالبيت في معرفة أي من الشعراء الثلاثة ينسب البيت؛ لأنّها لم تنسبه إلى أحد ما خلا الكتابين المذكورين في النص(139)، ولم نعثر عليهما في ديواني : حسان بن ثابت والاعشى(140)، بيد أنَّ البيت ورد ذكره في غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب الذي استدركه محمد خليل الخطيب جامع الديوان وشارحه(141)، وفي ديوان أبي طالب عم النبي(صلى الله عليه وآله) الذي استدركه محمد التونجي جامع الديوان وشارحه أيضا(142)، والبيت ليس مما يدل على أنَّ صاحبيه: الأعشى أو حسان، فمعناه يتردد كثيرا ضمن اسلوب أبي طالب الشعري في فداء النبي بنفسه وأولاده وأخوته وعشيرته والذود عنه حتى الفناء(143)، وبهذا كله نرجح نسبة البيت إلى أبي طالب.
ويلحظ عدم التثبُّت من رواية النص وهماً وذلك بسبب تشكيك الرواة بدلالته وهو ما جاء في كتاب الدرجات الرفيعة من تشكيك للعلماء في البيت الخامس من المقطوعة الشعرية التي قالها أبو طالب في نصرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله):
{من الكامل}
فقال صدر الدين الشيرازي( ت1120هـ): «قال بعض علمائنا اتفق على نقل الابيات الأربعة قبل البيت الخامس مقاتل والثعالبي وابن عباس والقاسم وابن دينار وزاد أهل الزيغ والضلال البيت الخامس ظلما وزواً اذ لم يكن في جملة ابياته مسطورا ولم ينتبهوا للتناقض الذي فيه ومنافاته باقي الابيات» (145)، واتبع هؤلاء العلماء أحمد زيني دحلان (ت1304هـ)(146) ونجم الدين العسكري (ت1395هـ)(147) وعبد الله الخنيزي(148).
إن خشية هؤلاء العلماء من أن يكون البيت الخامس ضمن أبيات المقطوعة، وانكارهم له، يعود إلى أنَّهم يبحثون عن قضية عقائدية، فالمقطوعة المذكورة تأصل اسلام أبي طالب وايمانه الصحيح، والبيت الخامس ينفي اسلامه وايمانه متوهمين ذلك وهذا ما اكده الشيخ المفيد(149) السابق لهم لدحض الارتياب في صحة نسبة البيت إلى أبي طالب، والمجلسي(150)، وصدر الدين الشيرازي(151)، والاميني(152)، فالبيت الخامس الذي قاله أبو طالب حين اجمع على نصرة ابن أخيه ومؤازرته والذود عنه عندما اظهر مشركي قريش عداوتهم له من ضمن أبيات النص المذكور آنفا للأدلة الآتية:
أولا: دليل نقلي ونستدل به على حجتين:
أ ـ إنَّ البيت يتناسب و مناسبة النص، فقد ذكر صاحب السير والمغازي، مجيء رجال قريش إلى أبي طالب، فتحدثوا معه «وقالوا: ما نحن يا اباطالب، وان كنت فينا ذا منزلة بسنك وشرفك وموضعك، بتاركي ابن أخيك على هذا حتى نهلكه أو يكف عنا ما قد اظهر بيننا من شتم آلهتنا، وسب ابائنا، وعيب ديننا، فإن شئت فاجمع لحربنا، وإن شئت فدع، فقد اعذرنا إليك، وطلبنا التخلص من حربك وعداوتك فكل ما نظن ان ذلك مخلصا، فانظر في امرك، ثم اقض الينا قضاك...فقال ابوطالب: والله ما كذَّبنا ابن أخي فارجعوا ...ثم قال أبو طالب من شعر قاله حين اجمع لذلك من نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والدفاع عنه على ما كان من عداوة قومه وفراقهم له» (153): الابيات المذكورة .
ويظهر الحوار الذي دار بين مشركي قريش وأبي طالب، أنه مؤمن بما جاء به ابن أخيه بيد أنَّه اراد ان يخمد ثورة المشركين ضد ابن أخيه ، ويتقي أوار الحرب المزمعين على اضرام فتيلها بينهم وبين رسول الله ومن يسانده ويؤازره ويناصره، ليكف بذلك شرهم عنه، وفي الوقت نفسه يحمل نفسه على تطييب خواطرهم بأنه معهم عند مقابلته اياهم ليتسنى له الوقت الكافي لمعاضدة ابن أخيه ومحاماته؛ لأن دعوته ما تزال في بدايتها، ولو ابدى أبو طالب اسلامه للقي من مشركي قريش العنت والاذى والبلاء والجهد مثلما لقي ابن أخيه وأصحابه، وان قوله لابن أخيه:
لا ينافي اسلامه «لأن مفهومه لولا حذار الشغب من قريش وخوف الفتنة التي توجب المسبة عندهم لاظهرت ما تدعوني اليه وبينته على رؤوس الاشهاد وهذا لا ينافي اسلامه باطنا واعتقاده الحق» (154).
ب ـ جاء البيت ضمن ابيات المقطوعة مثبتاً في الديوان بروايتي أبي هفان وعلي بن حمزة وموثقة من كتب السير والتاريخ والعقائد والأدب والنحو في عشرين مصدرا(155).
ثانيا: الدليل الفني:
تتكرر دلالة البيت مع بعض ألفاظه ضمن اسلوب أبي طالب الشعري وهو في صدد نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتباعه على نحو ما نجده في قوله في القصيدة اللامية:
{من الطويل}
وقوله في القصيدة الميمية:
{من المتقارب}
ويومىء خطاب أبي طالب في استعماله هذا الأسلوب إلى الحكمة في مسايرة مشركي قريش لما تقتضيه مصلحة الاسلام في ايهامهم انه على ملتهم؛ ليصون رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بغضهم وعداوتهم له فلا يعمدوا إلى مفاجأته بشيء يسوءه في امر رسول الله، لما يتيقنون من محبة أبي طالب له، وفي الوقت نفسه يصرح بتصديقه والايمان بمعتقده كما اومأت مضمونها في شعره،وعلى هذا فالبيت من صلب المقطوعة لأبي طالب.
النوع الثاني: عدم تثبُّت الرواة من نسبة النص وهذا يعود إلى أنَّ كلا الشاعرين من اسرة واحدة، أو لتشابه الموضوع أو لكليهما معا، ومنه ما ذهب إليه النويري (ت733هـ) في نهاية الأرب في فنون الأدب إلى نسبة ثلاثة أبيات من القصيدة اللامية إلى العباس بن عبد المطلب في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) وهماً، وهي لأبي طالب، فقال «وفيه عليه السلام يقول عمه العباس رضي الله عنه وارضاه:
{من الطويل}
وردت هذه الأبيات في القصيدة اللامية المشهورة في مدح أبي طالب للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) في ديوانه صنعة أبي هفان وعلي بن حمزة وهي موثقة(159)، وقد درج على ذكرها أرباب السير كما مر بنا آنفا، وقد توهم النويري حين نسب هذه الابيات الى عم النبي (صلى الله عليه وآله) العباس، وربما قصد عمه أبا طالب، فتوهم فذكر عمه العباس، إنَّ غلط النويري في نسبة الأبيات يرجع إلى أن كليهما من أعمام رسول الله.
ونسب البيت الأول كمال الدين الدميري (ت 808هـ) إلى عبد المطلب فغلطه القسطلاني فقال: «وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب على الصواب وقول الدميري وتبعه جماعة انه لعبد المطلب غلط» (160) وانما يقطع الشك فيه قول الرسول(صلى الله عليه وآله) في حديث الاستسقاء، لما اقحط أهل المدينة استسقى لهم رسول الله فلما رأى السحاب حول المدينة كالاكليل قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لو ادرك أبو طالب هذا اليوم لسرَّه، فقال له بعض اصحابه: كأنك يا رسول الله اردت قوله : وابيض يستسقى الغمام بوجهه.... {البيت} قال: اجل» (161) فهذا نص صريح لرسول الله(صلى الله عليه وآله) بان منشىء هذا البيت أبو طالب.
وربما اوقع كمال الدين الدميري في غلط نسبة البيت لعبد المطلب لتشابه موضوع النص الشعري فقد ذكر ان عبد المطلب كان يستسقي أيام القحط في مكة بالنبي (صلى الله عليه وآله) عندما كان طفلا صغيرا(162)، وكذلك أبو طالب استسقى به أيضا(163).
إنَّ عدم تثبُّت الرواة من نسبة النص اوقعهم في الوهم على الرغم من انه لأبي طالب بن عبد المطلب من غير منازع عليه، فتارة ينسب الى اخيه العباس بن عبد المطلب، وتارة ثانية ينسب البيت الى ابيه عبد المطلب؛ لانهم جميعا من بيت واحد، ولتشابه مناسبة الموضوع المطروق في الاستسقاء برسول الله لأبي طالب وأبيه.
ومـن ألــوان الاضطراب نسبة النص الشعري لشاعرين لأنهما من اسرة واحدة على نحو ما تنازع في نسبة القطعة الاتية لأبي طالب وابنه طالب في مديح النبي(صلى الله عليه وآله) :
{من المتقارب}
عزا الشيخ المفيد القطعة الى أبي طالب(165)، وعزاها الشيرازي(166) الى ابنه طالب، وتنازعت نسبة القطعة بين أبي طالب وابنه طالب في آن معا، عند ابن ابي الحديد(167)والمجلسي(168) وجامع غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب لمحمد خليل الخطيب(169)، ومحققي ديوان أبي طالب: محمد التونجي(170)، ومحمد حسن آل ياسين(171)، ومحقق مجموع شعر قريش في الجاهلية وصدر الاسلام لمحمد ساري(172).
وعلى الرغم من أن الشيخ المفيد اسبق في رواية النص المذكور يبقى الترجيح في نسبته امرا صعبا؛ لان غاية الشيخ المفيد صحة اثبات ايمان أبي طالب من خلال النص، وكذلك غاية الشيرازي اثبات اسلام طالب ويبقى النص متنازع النسبة بينهما ما لم نعثر على دليل قوي يحسم الأمر في اثبات نسبته الى احدهما.
ومن هذا اللون الأرجوزة البائية التي نسبت لأبي طالب تارة، ولطالب تارة ثانية، أو كليهما معا :
{من الرجز}
ومما يرجح نسبة الارجوزة طالبا ان مناسبة النص تفيد انها له، فبعد انتهاء معركة بدر التي أُخرج اليها طالب مكرها جرت محاورة بينه وبين بعض قريش «فقالوا: والله قد عرفنا أن هواكم مع محمد فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع، وقيل: إنما كان خرج كرها فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكة وهو الذي يقول.... {اشطر الرجز}» (174).
إن نسبة الارجوزة إلى أبي طالب وهمٌ يرجع الى عدم التثبُّت من الاسم، ولأنَّ كلا الشاعرين من اسرة واحدة، ومنه ما نسب الى الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو لأبيه(175)وهو لا يحتاج الى كثير مناقشة .
والنوع الثالث في عدم التثبُّت من رواية الشعر المتدافع عليه لاحد الشاعرين هو التشابه في وحدة الوزن والقافية ومنه: ما ذكر في أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) فاورد صاحب الخزانة «ورأيت (في المواهب اللدنية) قال مؤلفه: ثم إن في اسمه محمد خصائص منها أنه تعالى شقه من اسمه المحمود كما قال حسان بن ثابت:
{من الطويل}
... ثم قال صاحب المواهب: وأخرج البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن زيد قال: كان أبو طالب يقول: وشقَّ له من اسمِهِ ليجِلَّهُ... {البيت}» (176).
لاشك في أن البيت الثالث الذي ذُكِرَ في القصيدة الدالية لحسان بن ثابت، هو لأبي طالب لأنَّ رواية شهاب الدين احمد القسطلاني (ت سنة 923هـ) متأخرة عن رواية ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري (ت256هـ)، وقد أورد البيت غير واحد من مؤرخين وأدباء وعلماء(177)، والبيت مما ضمنه حسان بن ثابت وبهذا جزم أحمد زيني دحلان الشافعي(178)، وعبد الحسين أحمد الاميني(179)، وعبد الرحمن البرقوقي محقق وشارح ديوان حسان بن ثابت(180).
وسبب نسبة هذا الاضطراب يرجع إلى تشابه قصيدتي: أبي طالب وحسان بن ثابت المذكور البيت في كلتيهما، اذ يتشابهان في وحدة الوزن والقافية فضلا عن الموضوع، فموضوع كلتا القصيدتين في مدح النبي محمد(صلى الله عليه وآله) (181).
ومن هذا اللون من عدم التثبُّت في الرواية الذي يرجع الى تشابه القصائد في الوزن والقافية ما ينسب الى غير أبي طالب وهو له، ما نسبه ابن كثير في السيرة النبوية، وهي أربعة إبيات إلى ورقة بن نوفل بعد ان أورد له قصيدة من اثني عشر بيتا أردف قائلا: «وزاد الاموي
{من الطويل}
وقد تفرد ابن كثير بهذه الرواية، ولم اقف في المصارد المتقدمة في نسبتها الى ورقة بن نوفل، ولم اعثر عليها في مجموع شعره ضمن القصيدة الحائية له(183)، ويبدو أنَّ الأُموي الذي زادها في القصيدة الحائية لورقة؛ لأنَّها على الوزن والقافية نفسها، ومن المرجح انها لأبي طالب لما ذكرته المظان الاتية:
أورد أبو بكر الانباري (ت328هـ) البيتين الثاني والثالث في الزاهر في معاني كلمات الناس، ولم يعزها الى أي شاعر، بيد أنَّ محقق الكتاب حاتم صالح الضامن عزاهما إلى أبي طالب مستدلا على ما ذكره ابن منظور في لسان العرب(184)، وعزا أبو منصور الازهري (ت392هـ) في تهذيب اللغة البيت الثالث الى أبي طالب(185)، وروي البيت لابن منظور صحيح النسبة لأبي طالب فقال : «وانشد الشافعي بيت ابي طالب:
{من الطويل}
وقال ثعلب: البيتُ مثابةٌ وقال بعضهم: مثوبةٌ ولم يقرأ بها» (186)، ويلحظ في النص ان ثعلبا (ت291هـ) لم يعترض على نسبة البيت لأبي طالب، وانما رواه هو وغيره له.
واتبع ابن منظور الزبيدي (ت1205هـ) فذكر البيت لأبي طالب(187)، والبيت مذكور في المستدرك من ديوان أبي طالب(188).
ولا نستبعد أن القطعة التي ذكرها ابن كثير رواية عن الاموي أنها لأبي طالب، لأنَّها وحدة شعرية تحمل فكرة الاشادة بالنبي(صلى الله عليه وآله) الذي كان له اثر في بناء الكعبة، وفي شعر أبي طالب ما يدلنا على ذلك أيضا(189)، اما اللغويون الذين لم يستشهدوا ببقية ابياتها فهذا يعود؛ إلى أنَّهم معنيون بايراد الشاهد اللغوي فحسب.
ونعود فنقول إن هذا الاضطراب يرجع إلى أنَّ الأُموي توهم نسبة الأبيات الى ورقة واتبعه ابن الاثير في ذكرها بعد ان أورد القصيدة الحائية لورقة بسبب الوزن والقافية التي عليها القصيدة المذكورة.
ومما تقدم نتبين أن الاضطراب في رواية شعر أبي طالب مما نسب إليه، أو لغيره، أو له ولغيره في آن معا يرجع إلى الوهم في عدم تثبُّت الرواة لنسبته للاسباب التي تشكل بعض الاشكال عليهم، فمنها: تباين معنى النص وهماً، أو تحريف اسم منشيء النص، أو لتشابهه في الموضوع المطروق، أو لتشابهه في وحدتي : الوزن والقافية، وبهذا كله نكون قد ميزنا شعر أبي طالب من غيره من الشعراء، ونطمئن على الاستشهاد به؛ لتأكد نسبته إليه في دراسة الفن والموضوع لشعر أبي طالب.
***
أولاً: في الموضوع
إنَّ الأدب ولاسيما الشعر لا ينحصر في موضوعات معينة، لأنّه يمثل الحياة العامة باحداثها ومواقفها المتعددة التي أثرت في نفس الشاعر وفكره ووجدانه، وان كل لحظة انفعال يمر بها الشاعر لها سماتها وطبيعتها الخاصة التي تدفعه إلى قول الشعر ليعبر عن ذلك كله، ولذلك تعددت موضوعاته، بيد أنَّ الباحثين اعتادوا على تصنيف الشعر إلى موضوعات قيِّدت بالرثاء والفخر والمديح والهجاء إلى آخره، وهي موضوعات تقليدية معهودة قبل الإسلام، وقد طرأ عليها في فجر الإسلام بعض التغيير والتحوير والتطوير واستحدثت موضوعات جديدة في معانيها تنسجم مع المرحلة الجديدة للحياة الإسلامية، ومبدائها كشعرالدعوة الدينية وغيرها.
وقد طرق أبو طالب بعض الموضوعات القديمة والموضوعات الجديدة فسجل موضوع الرثاء قبل الإسلام، ولم يسجل شيئا منه في الإسلام، بيد ان بعض النصوص ارتدت معانيَ جديدة لم يتناولها الشعراء قبله.
وحفلت الموضوعات الشعرية؛ الفخر والمديح والعتاب والهجاء بصبغة متطورة تأثرت معانيها بواقع حدث الإسلام الكبير، وما رافقه من تغيير في واقع المجتمع القرشي خاصة والعربي عامة.
اما الألوان الشعرية التي فرضها الواقع الإسلامي الجديد في الايمان بالله ورسوله ونصرته وتأييده والدفاع عنه، فهي مما لاشك فيه ذات طابع جديد، وان كان لها جذور في الشعر العربي من معاني التوحيد، والاجارة، إلا انها في ظل الإسلام اكتست معانيَ إسلامية جديدة اقترنت بصاحب الرسالة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) في اشهار الشعر سلاحا من اسلحة الدعوة الإسلامية بوجه مشركي قريش، ووسيلة لتقرير العقيدة .
ونأى أبو طالب في شعره عن موضوع الغزل، فلم نعثر على شيء منه، ويبدو أنَّ الشاعر تحرج من ان يطرق هذا اللون من الشعر؛ لأنَّه من الموحدين، ولأنَّه لا يتناسب ومكانته الاجتماعية وهو رئيس قريش وحاكمها، وان اغلب شعره الذي وصل الينا يمثل مرحلة متأخرة من حياته، وأبو طالب وان كان مقلا قبل الإسلام، فإنه غير ذاك بعد مجيء الإسلام؛ ذلك بأنَّ حدث الإسلام العظيم فجر قريحته الشعرية إلى فن الدعوة الإسلامية الجديدة الذي يعد رسائل شعرية موجهة إلى قومه في دعوتهم إلى نصرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتأييده ومؤازرته والدفاع عنه، لما رأى من قريش معارضة شديدة للرسول.
***
(1) ظ: مصادر الشعر الجاهلي: 321.
(2) ظ: طبقات فحول الشعراء: 46- 49.
(3) ظ: مصادر الشعر الجاهلي: 429- 478، عقد الدكتور ناصر الدين الأسد فصلاً بهذا الشأن.
(4 ) ظ: مصادر الشعر الجاهلي: 255.
(5 ) شرح نهج البلاغة: 14/81، ظ: شرح شواهد المغني: 1/398، بحار الانوار: 35/168.
(6 ) السيرة النبوية :3/24، ظ: الكامل في التاريخ: 2/87، شرح نهج البلاغة: 14/80، الديوان:74، مع اختلاف الرواية: «... نَبْرا محمداً ● ولما نُطاعِنْ دونه ونناضِلِ».
(7 ) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 305.
(8 ) نهاية الارب في فنون الادب: 3/175، 167.
(9 ) صحيح البخاري: 1/238، فتح الآله في اختصار السنن الكبرى: م: 2، ق:3، ج 1/51.
(10 ) ظ: الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 321.
(11 ) الرجال:161.
(12 ) «كان عالما باللغة والأدب والقرآن، صدوقاً اديباً» بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 2/95.
(13 ) «كان راوية للادب، صاحب اخبار، وتواليف كثيرة، وكان ثقة في الحديث» وفيات الاعيان وأبناء أنباء الزمان: 3/476.
(14 ) كان راوية للشعر والاخبار، له مصنفات عديدة ،ظ: وفيات الاعيان وأبناء أنباء الزمان: 3/244- 247.
(15 ) كان شاعرا وراوية وعلّامة اخباريا ، وله مصنفات عديدة،ظ: وفيات الاعيان وابناء ابناء الزمان:3/56.
(16 ) من علماء اللغة والادب له مصنفات عديدة،ظ: الرجال: 67 .
(17 ) «كان من اعلم الناس بالنحو والأدب، واكثر حفظا... وكان صدوقا فاضلا دينا خيرا» بغية
الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 1/214.
(18 ) ظ: الرجال: 161.
(19 ) خزانة الادب: 1/20.
(20 ) م.ن: 10/470.
(21 ) م.ن: 10/471.
(22 ) م.ن: 10/463.
(23 ) خزانة الادب: 2/76، بلوغ الإرِب في معرفة احوال العرب: 1/324، ولم اعثر على هذه الاشارة في الاصابة لترجمة أبي طالب،ظ: الاصابة في تمييز الصحابة: 4/115- 119.
(24 ) الرجال: 161، نزهة الالباء في طبقات الادباء: 141.
(25 ) سمط اللآلي: 1/335.
(26 ) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 2/31.
(27 ) الفهرست: 223، ظ: طبقات الشعراء: 409.
(28 ) ظ: الديوان: 40- 41.
(29 ) ظ: م.ن: 38.
(30 ) لم اعثر على سنة وفاته.
(31 ) كان عالما في اللغة والادب، وكان شاعرا كثير الحفظ، له مصنفات،ظ: طبقات النحويين واللغويين: 190- 191، وإنباه الرواة على أنباه النحاة: 4/ 167 .
(32 ) ظ: الفهرست: 224.
(33 ) معجم الادباء: 13/ 208.
(34 ) ظ: الديوان: 49- 51 .
(35 ) ظ: م.ن: 47- 49 .
(36 ) كان اديبا لغويا راويا، واخباريا نسابة، كثير الحفظ، ظ: نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة: 4/12، ويتيمة الدهر في محاسن العصر: 2/ 352، وانباه الرواة على انباه النحاة: 1/25.
(37 ) كان راويا اخباريا،وثقة في الحديث وحسن التصنيف ، ظ: الفهرست: 337، الرجال: 75.
(38 ) كان اخباريا، ثقة في الحديث وحسن التصنيف، ظ: الفهرست: 337، والرجال: 75.
(39 ) كان ثقة معتمدا لا يطعن في حديثه له مصنفات ، ظ: الرجال: 343 .
(40 ) ظ: غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب (المقدمة): 3- 4 .
(41 ) ظ: شعر أبي طالب واخباره والمستدرك عليه (المقدمة): 18.
(42 ) ظ: الديوان (آل ياسين): 210، 239، 241، 251، في هذه الصفحات نصوص لعلي بن حمزة التميمي لم نعثر عليها في رواية ابي هفان في نسخة شعر ابي طالب وأخباره والمستدرك عليه طبعة قم.
(43 ) ذكر التونجي في المقدمة: 6، انه وقف على رواية علي بن حمزة، وقد فحصنا الرواية المذكورة فوجدنا نصوصا لم ترد في نسخة التونجي،ظ: الديوان (آل ياسين): 149- 150، 165، 180، 181، 183، 184، 185، 205، 209، 210، 224، 231، 245، قصائد ومقطوعات ويبدو انه جمع ابيات رواية ابي هفان مع مستدركه في نسخة الخطيب لأنه اعتمد عليه في تخريج جميع النصوص واستدرك على ما لم يجده في هذه النسخة من المظان.
(44 ) ديوان أبي طالب عم النبي (صلى الله عليه وآله) (المقدمة): 5.
(45 ) ديوان أبي طالب بن عبد المطلب (المقدمة): 53.
(46 ) ثم شارك مجموعة من المؤلفين فأصدروا ديوان أبي طالب ضمن الموسوعة الشعرية الصادرة من بيروت لسنة 2004م، وضم الديوان ستمائة وثلاثة ابيات تصدر الديوان بمقدمة موجزة جدا عن الشاعر، ورتبت النصوص بحسب حروف الروي ولا تسعفنا النسخة التي بين ايدينا لمعرفة المزيد من التفاصيل حول وصف الديوان، فهي مسحوبة من القرص (الموسوعة الشعرية) تفتقد مزايا التحقيق العلمي من عدم ذكر الرواية والتخريجات والاستدراكات الى آخره.
(47 ) ظ: المستدرك على الديوان «في نهاية الاطروحة».
(48 ) ظ: البيان والتبيين: 3/30.
(49 ) ظ: البرصان والعرجان والعميان والحولان: 27، 28.
(50 ) ظ: العقد الفريد: 3/242.
(51 ) ظ: خزانة الادب: 1/225، 2/55- 75، 76، 78، 3/296، 4/242، 245، 275، 6 /196، 8/146- 147، 9/11 ، 397، 10/ 463، 467.
(52 ) ظ: طبقات فحول الشعراء: 1/244.
(53 ) ظ: الاغاني: 8/101 .
(54 ) ظ: الحماسة البصرية: 1/118، 2/2.
(55 ) ظ: مجموع شعر قريش في الجاهلية والاسلام (اطروحة): 159، ديوان أبي طالب: 183.
(56 ) ظ: شرح ديوان حسان بن ثابت: 134، ديوان أبي طالب: 332.
(57 ) ظ:الكتاب: 1/111- 408، 3/261.
(58 ) ظ: المقتضب: 2/114، 132.
(59 ) ظ: تحصيل عين الذهب من معدن جوهر الادب في علم مجازات العرب: 108، 463.
(60 ) ظ: سمط الّلآلي: 1/566.
(61 ) ظ: الامالي الشجرية: 2/106، 375.
(62 ) ظ: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور: 1/560، 2/149، 189، احد الابيات مكرر.
(63 ) ظ:شرح جمل الزجاج لابن هشام: 176.
(64 ) ظ: مغني اللبيب عن كتب الاعاريب: 1/180، 297، 375، 2/805- 840.
(65 ) ظ: شرح شواهد المغني: 1/396، 397، 398، 2/686- 687.
(66 ) ظ: المعاني الكبير: 2/888.
(67 ) ظ: الاشتقاق: 88، 97، 150، 166.
(68 ) ظ: الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/140، 236، 239، 302، 367.
(69 ) ظ:م.ن:1/ 547، 252.
(70 ) ظ: ديوان المعاني: 1/37.
(71 ) ظ: السير والمغـازي : 35، 76- 77، 78، 148، 149، 150، 153، 155، 156، 157، 157- 158، 160، 163، 163- 164، 164- 165، 167، 169- 170، 208.
(72 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام: 1/235، 267- 268، 269، 272- 280، 332- 333، 352 - 353، 371- 372، 378- 380، 2/4،15، 19- 20، 3/24.
(73 ) الرَّوض الأُنــف في تفسير سيرة ابن هشام : 2/10- 12،16- 30، 131- 132، 132- 133 ، 163-166.
(74 ) ظ: السـيرة النبويــة لابن كثـير : 1/70، 179، 194- 195، 211، 464- 476، 477، 486- 491 ، 2/27، 49- 50، 62، 70- 71.
(75 ) ظ: البداية والنهاية في التاريخ: 3/42، 48- 49، 49، 53- 57، 87، 93، 97- 98.
(76 ) ظ: انساب الاشراف: 1/100، 2/31- 32، 32- 33، 33، 34، 40، 41.
(77 ) ظ: الاصابة في تمييز الصحابة: 4/115- 116.
(78 ) ظ: النكت الاعتقادية (ايمان أبي طالب): 18- 22، 29- 41.
(79 ) ظ: الفصول المختارة: 283- 286.
(80 ) ظ: كنز الفوائد: 1/172، 179- 182، 271.
(81 ) ظ: منـاقـب آل أبي طالب : 1/34 ، 37- 38، 51،52، 53، 55، 56، 56- 57،57-58، 59، 60- 61، 2/91- 92.
(82 ) ظ: الحجـة على الـذاهب الى تكفـير أبي طالب : 188- 189، 192- 194، 196- 197، 198- 199، 200، 201، 202، 204- 205، 216- 218 ، 218- 220 ، 221- 222 ، 224، 227، 240، 241 ، 249، 250- 251، 257- 258، 276، 277، 281- 282، 283، 286 - 287، 289- 293، 298- 299 ، 300، 304 ، 305، 315- 319، 321، 322- 323، 326- 327، 342- 344.
(83 ) ظ: شرح نهج البلاغة : 14/56، 57- 58، 61- 62، 62- 63، 64، 71- 72، 72- 74،75- 76، 77- 78،79، 79،80، 81.
(84 ) شرح نهج البلاغة: 14/78.
(85 ) السيرة النبوية : 1/280.
(86 ) الديوان: 69.
(87 ) ظ:م.ن: 70- 85.
(88 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/272، السيرة النبوية لابن كثير:1/486،البداية والنهاية في التاريخ: 3/53.
(89 ) ظ: خزانة الادب: 2/58.
(90 ) شرح نهج البلاغة: 14/78.
(91 ) ظ: السيرة النبوية: 1/486- 491.
(92 ) ظ: البداية والنهاية في التاريخ: 3/53- 57، وقد زادت اللجنة المحققة تسعة ابيات من سيرة ابن هشام ظانة انها سقطت منه والصحيح ان ابن كثير اخذ القصيدة من مصدر اخر بدليل تعليقه الذي سنذكره في المتن.
(93 ) السيرة النبوية لابن كثير: 1/491، البداية والنهاية في التاريخ:3/57.
(94 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام:1/ 272- 280، السيرة النبوية لابن كثير: 1/486- 491، (على ترتيب القصيدة).
(95 ) الاموي: واحد من اثنين: إما ان يكون يحيى بن سعيد الاموي (ت194هـ)، وإما ان يكون ابو العباس الوليد بن مسلم(ت195هـ) ، وكلاهما له كتاب في المغازي، أخذ منهما البخاري(ت256هـ) والطبري (ت310هـ) في تاريخ الامم والملوك، ظ: تدوين السيرة النبوية ودراستها (بحث): 356.
(96 ) عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 7/30، الابيات في الديوان: 70، 85.
(97 ) ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري: 2/ 238، ظ: شرح المواهب اللدنية: 1/191.
(98 ) ظ: الرَّوض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/16- 28.
(99 ) ظ: خزانة الادب: 2/ 58- 75.
(100 ) ظ: السيرة النبوية لابن هشام (المقدمة): 17.
(101 ) ظ: شذرات الذهب: 2/45.
(102 ) ظ: إنباه الرواة على أنباه النحاة: 3/143، معجم الادباء: 18/ 204.
(103 ) طبقات فحول الشعراء: 1/244- 245.
(104 ) م.ن: 1/245 الهامش.
(105 ) ولد ابن سلام 139هـ، وتوفي سنة 231هـ.
(106) ظ: مجموع شعر قريش، ملحق في الاطروحة (شعر قريش في الجاهلية وصدرالاسلام).
(107 ) تاريخ الادب العربي (بلاشير): 2/137- 138.
(108 ) طبقات فحول الشعراء: 1/245.
(109 ) شعر قريش في الجاهلية و صدر الاسلام (اطروحة): 133.
(110 ) ظ: السير والمغازي لابن اسحاق ت151هـ، السيرة النبوية لابن هشام ت213هـ، تاريخ اليعقوبي لابن واضح ت292هـ، مروج الذهب ومعادن الجواهر للمسعودي ت346هـ، البدء والتاريخ للمطهر المقدسي ت355هـ (منسوب)، الرُّوض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام للسُّهيلي ت518هـ، الكامل في التاريخ لعز الدين بن كثير ت630هـ، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس ت734هـ، السيرة النبوية، البداية والنهاية في التاريخ لابي الفداء أبي اسماعيل بن كثير ت774هـ، امتاع الاسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله) من الاحوال والاموال والحفدة والمتاع للمقريزي ت845هـ ، تاريخ الخميس في احوال أنفيس نفيس للديار بكري ت966هـ، سمط النجوم العوالي في ابناء الاوائل والتوالي لعبد الملك المكي ت111هـ ،السيرة النبوية انسان العيون في سيرة الأمين المأمون للحلبي (ت1044هـ)، والسيرة النبوية والآثار المحمدية لاحمد زيني دحلان (ت1304هـ)، تمثيلاً لا حصراً، ولم نعثر على أي لون من الوان التشكيك في شعر أبي طالب من قبل المؤرخين في كتب السير المتقدمة والمتأخرة.
(111 ) السيرة النبوية لابن هشام (المقدمة): 1/12، ويحتمل ان بلاشير نظر في قول ابن سلام : «وكان ممّن أفسد الشعر وهَجَّنهُ وحمل على غثاء منه محمد بن اسحاق... » طبقات فحول الشعراء: 1/7، متوهما، فابن سلام قصد ان ابن اسحاق اورد اشعارا لرجال ونساء لم يقولوا شعرا، ونسب شعرا لاقوام من عاد وثمود، ولم يقصد انه حمل على شعر أبي طالب ظ: م.ن: 1/8.
(112 ) تاريخ الادب العربي (بروكلمان) : 1/175.
(113 ) ظ: طبقات فحول الشعراء: 1/46.
(114 ) طبقات فحول الشعراء: 1/8.
(115 ) ظ: السيرة النبوية : 1/66 ، 166 ، 372 ، 2/168، 173، 174، 176، 212، 282، 283، التعليقات الاتيـة: (قال ابن هشام: هذا ما صح له مما روى ابن اسحاق منها)،(وهذا ما صح له منها) (وبقى منها بيت تركناه) ،و( البيت الثاني عن غير ابن اسحاق) و(تركنا منها بيتا واحدا)، (واكثر اهل العلم ينكرها لسعد)،(واكثر اهل العلم بالشعر ينكر هذا الشعر لابي جهل)، (وبعض اهل العلم بالشعر ينكر هذا لمكرز) ، (وهذه الرواية لهذا الشعر مختلطة ليست بصحيحة البناء)، (وهذا اصح اشعار اهل بدر)، (وبعض اهل العلم ينكرها لهند)، (واكثر اهل العلم بالشعر ينكرها لهند) تمثيلاً لا حصراً.
(116 ) ظ: السير والمغازي: 35، 76- 77، 77، 78، 148، 149، 150، 153، 155، 156، 157، 57- 158، 160، 163، 163- 164، 164- 165، 167، 169- 170، 211، 211- 222.
(117 ) ظ: السير النبوية : 1/235، 267- 268، 269، 272- 280، 332- 333، 352- 353، 78- 380، 2/4، 15، 19- 20، 3/24.
(118 ) اثر التشيع في الادب العربي: 69.
(119 ) ظ: الديوان: 69- 70، 190- 198، 292- 304.
(120 ) الكامل في التاريخ: 2/62،ظ: الديوان: 95- 96، 229.
(121 ) الكامل في التاريخ: 2/62 ، الهامش، ظ: الديوان: 211- 213، البائية الثانية المجرورة.
(122 ) ظ: السير والمغازي: 164.
(123 ) ظ: النكت الاعتقادية (ايمان أبي طالب): 33- 34.
(124 ) ظ: مناقب آل أبي طالب: 1/58.
(125 ) ظ: الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: 204.
(126 ) ظ: بحار الانوار: 35/ 95.
(127 ) ظ: الغدير في الكتاب والسنة والادب: 7/ 367.
(128 ) ظ: الديوان: 95- 96.
(129 ) ظ:م.ن: 229- 230.
(130 ) ظ: م.ن: 220، 227- 228، 234- 237. بحسب مناسبتها.
(131 ) العجاج عبد الله بن رؤبة ، حياته ورجزه: 156.
(132 ) الرُّوض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 1/269.
(133 ) خزانة الادب: 10/ 466- 468.
(134 ) ظ:الديوان: 104- 105، 263- 364، 325- 326.
(135 ) ظ: المحبر: 174- 175.
(136 ) ظ: خزانة الادب: 10/ 468.
(137 ) الديوان (التونجي): 61، التبال: الهلاك.
(138 ) خزانة الادب: 9/14.
(139 ) ظ: ضرائر الشعر: 117، الهامش ذكر المحقق كتب اللغة التي ذكرت البيت بنسبة وبلا نسبة.
(140 ) ظ: ديوان الأعشى، وشرح ديوان حسان بن ثابت الانصاري، لم نعثر على البيت.
(141 ) ظ: غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب: 177.
(142 ) ظ: الديوان (التونجي): 61.
(143 ) ظ : الديوان: 159، 160، 170، 171- 172، 174، 177، 178، 182، 183، 189، 193، 198، 206، 208، 212، 213، 214، 215، 216، 217، 219، 220- 221، 224، 229- 230، 231، 243- 244، 246، 255، 258.
(144 ) الديوان: 189، أوردت البيت ضمن المقطوعة لما أثير حوله من نقاش يوجب ذكر المقطوعة.
(145 ) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 44.
(146 ) ظ: اسنى المطالب في نجاة أبي طالب: 47.
(147 ) ظ: أبو طالب حامي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناصره: 49.
(148 ) ظ: ابوطالب مؤمن قريش: 153.
(149 ) ظ: الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 285- 286.
(150 ) ظ: بحار الانوار: 35/ 176- 177.
(151 ) ظ: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 44.
(152 ) ظ: الغدير في الكتاب والسنة والادب: 7/ 335.
(153 ) السير والمغازي: 154- 155.
(154 ) الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 44.
(155 ) ظ: الديوان: 87، 189، 291- 292.
(156 ) م.ن : 84.
(157 ) م.ن: 93، نثا: ما تُخبِر به عن الرجل من حسن وسوء، السبة: العار، يشيد: يفشي، المفعم: الممتليء، الموسم: المجتمع ويقصد به موسم الحج، ذو مرية: ذو شك، المحرم: ذو الحرمة.
(158 ) نهاية الارب في فنون الادب: 18/241، ظ: الديوان:75، 80، باختلاف الرواية، وترتيب الابيات، فقد ورد البيت الثاني: «يلوذُ به الهلاك... »، والبيت الثالث برواية:
«بميزان قسط لا يَغيضُ شعيرةً لـه شاهدٌ من نفسه حقّ عادلِ»
وتأخر ترتيبه في القصيدة بعد ثلاثة وعشرين بيتا.
(159 ) ظ: الديوان: 69- 85، 190- 198، 292- 304.
(160 ) شرح المواهب الّلدنية: 1/191.
(161 ) السيرة النبوية لابن هشام: 1/280- 281.
(162 ) ظ: انساب الاشراف: 1/83، الرُّوض الأًُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: 2/ 30- 31.
(163 ) ظ: الخصائص الكبرى: 1/86.
(164 ) الديوان: 338، قبيلاً: القبيلة، أناف: ارتفع، النثرة: كوكبان بينهما قدر شبر وفيهما لطخ بياض، ويقال لها أنف اسد، ويذكر ان طالبا كان محبا للرسول (صلى الله عليه وآله) وله فيه مدائح، ظ: مجموع شعر قريش ملحق في الأطروحة «شعر قريش في الجاهلية وصدر الاسلام»: 159- 161.
(165 ) ظ: النكت الاعتقادية (ايمان أبي طالب) : 35.
(166 ) ظ: الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 63.
(167 ) ظ: شرح نهج البلاغة: 14/ 78.
(168 ) ظ: بحار الانوار: 35/ 164- 165.
(169 ) ظ: غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب: 50- 51.
(170 ) ظ: الديوان (التونجي) : 44.
(171 ) ظ: الديوان: 338.
(172 ) مجموع شعر قريش ملحق في الاطروحة «شعر قريش في الجاهلية وصدر الاسلام»:161.
(173 ) الديوان (التونجي): 25، المقنب: الجماعة من الخيل، او نحوها.
(174 ) الكامل في التاريخ: 2/85.
(175 ) ظ: الديوان: 150، 334.
(176 ) خزانة الادب: 1/225، ظ: شرح ديوان حسان بن ثابت: 134، اختلاف رواية البيت الاول: «... من الله مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ».
(177 ) ظ: الغدير في الكتاب والسنة والادب: 7/335.
(178 ) ظ: أسنى المطالب في نجاة أبي طالب: 46.
(179 ) ظ: الغدير في الكتاب والسنة والادب: 7/336.
(180 ) ظ: شرح ديوان حسان بن ثابت: 134 الهامش.
(181 ) ظ: الديوان: 234- 236 (القصيدة)، 332 (المستدرك) مع الهامش.
(182 ) السيرة النبوية لابن كثير: 1/269، اليعملات: جمع يعملة ، وهي الناقة النجيبة، والطلائح:
المتعبات، الحراجيج: الطوال.
(183 ) ظ: ورقة بن نوفل حياته وشعره (بحث): 175.
(184 ) ظ: الزاهر في معاني كلمات الناس: 1/250 مع الهامش.
(185 ) ظ: تهذيب اللغة: (ثوب)، وعجز البيت م.ن: (ذمل).
(186 ) لسان العرب: (ثوب)، وعجز البيت، م.ن: (ذمل)، وتختلف الرواية عن ابن كثير: «...تُخُبُّ اليه اليَعْملاتُ الذوامِلُ».
(187 ) ظ: تاج العروس: (ثوب)، وعجز البيت: م.ن: (ذمل).
(188 ) ظ: الديوان: 341.
(189 ) ظ: م.ن : 338.
------------------------------------ |
الأربعاء، 9 يوليو 2014
شعرُ أبي طالب :: دراسة أدبية تأليف: د. هناء عباس عليوي كشكول
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)

إرسال تعليق